فصل: 1811- باب وَمَنْ سُورةِ الْمَائِدَة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


1811- باب وَمَنْ سُورةِ الْمَائِدَة

هي مائة وثلاث وعشرون أية‏.‏ قال القرطبي هي مدنية بالإجماع

بسم الله الرّحْمَنِ الرّحْيمَ 3138- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ، عن مِسْعَرٍ وَغَيْرِهِ، عن قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عن طَارِقِ بنِ شِهَابٍ قالَ‏:‏ ‏"‏قالَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ لِعُمَرَ بنِ الْخَطّابِ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَوْ عَلَيْنَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ‏:‏ ‏{‏اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِيناً‏}‏ لاَتّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيداً، فَقَالَ له عُمَرُ بن الخطابِ إِنّي لأعْلَمُ أَيّ يَوْمٍ أُنْزِلَتْ هَذهِ الاَيَةُ أُنْزِلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3139- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ، عن عَمّارِ بنِ أبي عَمّارٍ قالَ‏:‏ ‏"‏قَرَأَ ابنُ عَبّاسٍ ‏{‏اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيْتُ لَكُمْ الاْسْلاَمَ دِيناً‏}‏ وَعِنْدَهُ يَهُودِيّ فَقَالَ‏:‏ لَوْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ عَلَيْنَا لاَتّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيداً، قال ابنُ عَبّاسٍ‏:‏ فَإِنّهَا نَزَلَتْ في يَوْمِ عِيدَيْنِ‏:‏ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ حَدِيثِ ابنِ عَبّاسٍ وهو صحيح‏.‏

3140- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مِنِيعٍ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ إسْحَاقَ، عن أبي الزّنَادِ عن الأعْرَجِ عن أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يَمِينُ الرّحْمَنِ مَلاى سَحّاءُ لاَ يَغِيضُهَا اللّيْلُ وَالنّهَارَ، قَالَ‏:‏ أَرَأَيْتُمْ مَا أنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السّمَاوَاتِ والأرض، فَإِنّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الاْخْرَى المِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وهَذَا الْحَدِيثُ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الاَيَةَ ‏{‏وَقَالَتْ اليَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أَيْدِيهِمْ‏}‏ الاَيَةَ وَهَذَا حديث قد روته الاْئِمّةُ يُؤْمَنُ بِهِ كَمَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفَسّرَ أَوْ يُتَوَهّمَ هَكَذَا‏.‏ قالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الاْئِمّةِ مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثّوْرِيّ وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ وَابنُ عُيَيْنَةَ وَابنُ المُبَارَكِ أَنّهُ تُرْوَى هَذِهِ الأشْيَاءُ وَيُؤْمَنُ بِهَا، فلا يُقَالُ كَيْفَ‏.‏

3141- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، أخبرنا الْحَارِثُ بنُ عُبَيْدٍ عن سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيّ عن عَبْدِ الله بنِ شَقِيقٍ، عن عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏"‏كَانَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يُحْرَسُ حَتّى نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ‏:‏ ‏{‏والله يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ‏}‏ فَأَخْرَجَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ مِنَ القُبّةِ، فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ ‏"‏يَا أَيّهَا النّاسُ انْصَرِفُوا، فَقَدْ عَصَمَنِي الله‏"‏‏.‏ حدثنا نصر بن علي حدثنا مسلم بن إبراهيم بهذا الإسناد نحوه‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏

وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عن الْجُرَيْرِيّ عن عَبْدِ الله بنِ شَقِيقٍ، قالَ‏:‏ كَانَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يُحْرَسُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عن عَائِشَةَ‏.‏

3142- حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمنِ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ أخبرنا شَرِيكٍ، عن عَلِيّ بنِ بَذِيْمَةَ، عن أبي عُبَيْدَةَ، عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَمّا وَقَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ في المَعَاصِي نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ، فَلَمْ يَنْتَهُوا فَجَالَسُوهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ وَوَاكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ، فَضَرَبَ الله قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَلَعَنَهُمُ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَجَلَسَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ مُتَكِئاً، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏لاَ وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتّى تَأْطِرُوهُمْ على الحق أطْراً‏"‏ قالَ عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ قالَ يَزِيدُ‏:‏ وَكَانَ سُفْيَانُ الثّوْرِيّ لاَ يَقُولُ فِيهِ عن عَبْدِ الله‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عن مُحَمّدِ بنُ مُسْلِمِ بنِ أبي الوَضّاحِ، عن عَلِيّ بنِ بَذِيْمَةَ عن أبي عُبَيْدَةَ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ عن أبي عُبَيْدَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلٌ‏.‏

3143- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، أخبرنا سُفْيَانُ، عن عَلِيّ بنِ بَذِيمَةَ، عن أبي عُبْيَدَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمّا وَقَعَ فِيهِمْ النّقْصُ كَانَ الرّجُلُ فِيهِمْ يَرَى أخَاهُ يَقَعُ عَلَى الذّنْبِ فَيَنْهَاهُ عَنْهُ، فَإِذَا كَانَ الغَدُ لَمْ يَمْنَعْهُ مَا رَأَى مِنْهُ أنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَخَلِيطَهُ، فَضَرَبَ الله قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَنَزَلَ فِيِهمْ القُرْآنُ فَقَال‏:‏ ‏{‏لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ‏}‏ وَقَرَأَ حَتّى بَلَغَ ‏{‏وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونُ بالله والنّبيّ، وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَكَانَ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم مُتّكِئاً فَجَلَسَ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏لاَ حَتّى تَأْخُذُوا عَلَى يَدِ الظّالِمِ فَتَأطِرُوهُ عَلَى الْحَقّ أطْراً‏"‏‏.‏

3144- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا أبُو دَاوُدَ الطيالسيّ وَأَمْلاَهُ عَلَيّ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ أبي الْوَضاحِ عن عَلِيّ بنِ بَذِيْمَةَ عن أبي عُبَيْدَةَ عن عَبْدِ الله عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مثله‏.‏

3145- حدثنا أبُو حَفْصٍ عَمْرُو بنُ عَلِيّ أخبرنا أبُو عَاصِمٍ أخبرنا عُثْمانُ بنُ سَعْدٍ، أخبرنا عِكْرِمَةُ عن ابنِ عَبّاسٍ‏:‏ ‏"‏أنّ رَجُلاً أتَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ الله إِنّي إِذَا أَصْبَتُ اللّحْمَ انْتَشَرْتُ لِلنّسَاءِ وَأَخَذَتْنِي شَهْوَتِي فَحَرّمْتُ عَلَيّ اللّحْمَ، فَأَنْزَلَ الله ‏{‏يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَحَرّمُوا طَيّبَاتِ مَا أَحَلّ الله لَكُمْ، وَلاَ تَعْتَدُوا إِنّ الله لاَ يُحِبّ المُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ الله حَلاَلاً طَيّبَاً‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وَرَواهُ بَعْضُهُمْ عن عُثْمَانَ بنِ سَعْدٍ مُرْسَلاً لَيْسَ فِيهِ عن ابنِ عَبّاسٍ، وَرَوَاهُ خَالِدٌ الْحَذّاءِ عن عِكْرِمَةَ مُرْسَلاَ‏.‏

3146- حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبِدِ الرّحْمَنِ أخبرنا مُحمّدُ بنُ يُوسُفَ أخبرنا إسرائيل، أخبرنا أبُو إسْحَاقَ عن عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيلَ عن أبي ميسرة عن عُمَرَ بنمِ الْخَطّابِ أَنّهُ قالَ‏:‏ ‏"‏اللّهُمّ بَيّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بيان شِفَاءٍ فَنَزَلَتْ الّتِي في البَقْرَةِ ‏{‏يَسَأَلُونَكَ عن الْخَمْرِ وَالمَيْسَرِ قُلْ فِيهَما إِثْمٌ كَبِيرٌ‏}‏ الاَيَةِ فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ‏:‏ اللّهمّ بَيّنْ لَنَا في الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاء، فَنَزَلَتْ الّتي في النّسَاءِ ‏{‏يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى‏}‏ فَدُعِيَ عُمَرُ فَقِرئَتْ عَلَيْهِ، ثُمّ قالَ‏:‏ اللّهِمّ بَيّنْ لَنا في الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ، فَنَزَلَتْ الّتِي في المَائِدَةِ‏:‏ ‏{‏إِنّمَا يُرِيدُ الشّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسَرِ- ‏"‏إِلَى قَولهِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ‏}‏ فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ‏:‏ انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَقَدْ رُوِيَ عن إِسْرَائِيلَ هذا الحديث مُرْسلاً‏.‏

3147- حدثنا مُحمّدُ بنُ الْعَلاَءِ، أخبرنا وَكِيعٌ عن إِسْرَائِيلَ عن أبي إِسحَقَ عن أبي مَيْسَرَةَ‏:‏ ‏"‏أنّ عُمَرَ بنَ الْخَطّابِ، قَالَ‏:‏ اللّهُمّ بَيّنْ لَنَا فِي الخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ‏"‏‏.‏

فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَهَذَا أصَحّ مِنْ حَدِيثِ مُحمّدِ بنِ يُوسُفَ‏.‏

3148- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى، عن إِسْرَائِيلَ عن أبي إسْحَاقَ عن البَرَاءِ قالَ‏:‏ ‏"‏مَاتَ رِجَالٌ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أنْ تُحَرّمَ الْخَمْرُ، فَلَمّا حُرّمَتْ الْخَمْرُ، قالَ‏:‏ رِجَالٌ كَيْفَ بِأَصْحَابِنَا وَقَدْ مَاتُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ‏؟‏ فَنَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏لَيسَ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إذَا مَا اتّقُوا وآمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رَوَاهُ شُعْبَةُ عن أبي إسْحَاقَ عن الْبَرَاءِ أيضاً‏.‏

3149- حدثنا بِذَلِكَ مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، أخبرنا شُعْبَةَ عن أبي إسْحَاقَ بهذا قال‏:‏ قالَ الْبَرَاءُ بنُ عَازِبٍ‏:‏ ‏"‏ماتَ نَاسٌ مِنْ أصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، فَلَمّا نَزَلَ تَحْرِيمُهَا قال نَاسٌ مِنْ أصْحَابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ فَكَيْفَ بِأَصْحَابِنَا الّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا‏؟‏ فَنَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا‏}‏ الاَية‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3150- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بنُ أبي رِزْمَةَ عن إِسْرَائِيلَ عن سِمَاكٍ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ قال قالُوا‏:‏ ‏"‏يا رسولَ الله أَرَأَيْتَ الّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ لَمّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ‏؟‏ فَنَزلَتْ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إذا ما اتّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3151- حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، أخبرنا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ عن عَلِيّ بنِ مِسْهَرٍ عن الأعْمَشِ عن إبْرَاهِيمَ عن عَلْقَمَةَ عن عَبْدِ الله قالَ‏:‏ لَمّا نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ‏}‏ قال لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أنْتَ مِنْهُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3152- حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ، أخبرنا مَنْصُورُ بنُ وَرْدَانَ عن عَلِيّ بنِ عَبْدِ الأعْلَى عن أبِيهِ عن أبي الْبَخْتِرِيّ عن عَلِيّ قال‏:‏ ‏"‏لَمّا نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏ولله عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً‏}‏ قالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ الله في كُلّ عامٍ‏؟‏ فَسَكَتَ، فقالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ الله، في كُلّ عامٍ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لاَ، ولوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ‏"‏، وَأَنْزَلَ الله عَزّ وَجلّ‏:‏ ‏{‏يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من حديثِ عَلِي‏.‏

وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَاسٍ‏.‏

3153- حدثنا مُحمّدُ بنُ مَعْمَرٍ أَبُو عَبْدِ الله الْبَصْرِيّ، أخبرنا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، أخبرنا شُعْبَةُ، أخبرني مُوسَى بنُ أَنَسٍ قال‏:‏ ‏"‏سَمِعْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ يقولُ‏:‏ قال رَجلٌ‏:‏ يَا رَسُولَ الله مَنْ أَبِي‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أَبُوكَ فُلاَنٌ‏"‏، قال‏:‏ فَنَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ‏.‏

3154- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ أبي خالِدٍ عن قَيْسِ بنِ أبي حَازِمٍ عن أبي بَكْرٍ الصّدّيقِ أَنّهُ قال‏:‏ ‏"‏يا أَيّهَا النّاسُ إِنّكُمْ تَقْرَؤنَ هَذِهِ الاَيَةَ‏:‏ ‏{‏يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ‏}‏ وإني سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ‏:‏ ‏"‏إنّ النّاسَ إِذَا رَأَوْا ظَالِماً فَلَمْ يَأخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمّهُمُ الله بِعِقَابٍ مِنْهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رَوَاهُ غيرُ وَاحِدٍ، عن إسْمَاعِيلَ بنِ أبي خَالِدٍ نحْوَ هذا الحديثِ مرفوعاً‏.‏ وَرَوَى بعضهم عن إسماعِيلَ عن قَيْسٍ عن أبي بَكْرٍ قَوْلَهُ وَلَمْ يَرْفَعُوهُ‏.‏

3155- حدثنا سَعِيدُ بنُ يَعْقُوبَ الطّالَقَانيّ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا عُتْبَةُ بنُ أبي حَكِيمٍ، أخبرنا عَمْرُو بنُ جَارِيَةَ اللّخْمِيّ عن أبي أُمَيّةَ الشّعْبَانِيّ قال‏:‏ أَتيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيّ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ كَيْفَ تَصْنَعُ في هَذِهِ الاَيَةِ‏؟‏ قال‏:‏ أَيّةُ آيَةٍ‏؟‏ قلت‏:‏ قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرّكَمْ مَنْ ضَلّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏أَمَا والله لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيراً، سَأَلْتُ عَنْهَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏بَلْ ائْتَمِرُوا بِالمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنِ المُنْكَرِ، حَتّى إِذَا رَأَيْتَ شُحّا مُطَاعاً، وَهَوًى مُتّبَعاً، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِخَاصّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامّ، فَإِنّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيّاماً الصّبْرُ فِيهِنّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلعَامِلِ فِيهِنّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ‏"‏‏.‏ قال عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ‏:‏ وَزَادَني غيرُ عُتْبَةَ قِيلَ‏:‏ يَا رَسُولَ الله أجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنّا أوْ مِنْهُمْ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لاَ، بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنْكُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

3156- حدثنا الْحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أبي شُعَيْبٍ الْحَرّانِيّ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ سَلَمَةَ الْحَرّانِيّ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ إسْحَاقَ عن أبي النّضْرِ عن بَاذَانَ مَوْلَى أُمّ هانئ عن ابنِ عَبّاسٍ عن تَمِيمٍ الدّارِيّ في هَذِهِ الاَيَةِ‏:‏ ‏{‏يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ‏}‏ قال‏:‏ بَرِيءَ منها النّاسُ غَيْرِي، وَغَيْرَ عَدِيّ بنِ بَدّاءٍ، وكَانَا نَصْرَانِيّيْنِ يَخْتَلِفَانِ إِلَى الشّامِ قَبْلَ الاْسْلاَمِ، فَأَتَيَا الشّامَ لِتَجَارَتِهمَا، وَقَدِمَ عَلَيْهِمَا مَوْلَى لِبَنِي سَهْمٍ يُقَالُ لَهُ بُدَيْلُ بنُ أبي مَرْيَمَ بِتِجَارَةٍ وَمَعَهُ جامٌ مِنْ فِضّةِ يُرِيدُ بِهِ المَلكَ وَهُوَ عُظْمُ تِجَارَتِهِ فَمَرِضَ، فَأَوْصَى إِلَيْهِمَا وَأَمَرَهُمَا أَنْ يُبَلّغَا مَا تَرَكَ أَهْلَهُ‏.‏

قال تَمِيمٌ‏:‏ فَلَمّا مَاتَ أَخَذْنَا ذَلِكَ الْجَامَ فَبِعْنَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمّ اقْتَسَمْنَاهُ أَنَا وَعَدِيّ بنُ بَدّاء، فَلَمّا أَتَيْنَا إِلَى أَهْلِهِ دَفَعْنَا إِلَيْهِمْ مَا كَانَ مَعَنَا وفَقَدُوا الْجَامَ، فَسَأَلُونَا عَنْهُ، فَقُلْنَا‏:‏ مَا تَرَكَ غَيْرَ هَذَا وَمَا دَفَعَ إِلَيْنَا غَيْرَهُ‏.‏

قال تَمِيمٌ‏:‏ فَلَمّا أَسْلَمْتُ بَعْدَ قُدُومِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ تَأَثّمْتُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَتَيْتُ أَهْلَهُ، فَأَخْبَرْتُهُمْ الْخَبَرَ، وَأَدّيْت إِلَيْهِمْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وأَخْبَرْتُهُمْ أَنّ عِنْدَ صَاحِبي مِثْلُهَا، فَأَتَوْا بِهِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُمْ الْبَيّنَةَ، فَلَمْ يَجِدُوا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَخلِفُوهُ بِمَا يَعْظُمُ بِهِ علَى أَهْلِ دِينِهِ، فَحَلَفَ، فَأَنْزَلَ الله‏:‏ ‏{‏يا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةَ بَيْنَكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ المَوْتُ- إِلى قوله- أوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ‏}‏‏.‏

فَقَامَ عَمْرُو بنُ الْعَاصِ وَرَجُلٌ آخَرُ فَحَلَفَا، فَنُزِعَتْ الْخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ منْ عَدِيّ بنِ بَدّاءٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ وليس إسْنَادُهُ بصَحِيحٍ‏.‏ وأبو النّضْرِ الذي رَوَى عَنْهُ مُحمّدُ بنُ إسْحَاقَ هذا الحديثَ هُوَ عِنْدِي مُحمّدُ بنُ السّائِبِ الْكَلْبيّ يُكْنَى أَبَا النّضْرِ، وقد تَرَكَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بالحديثِ، وَهُوَ صَاحِبُ التّفْسِيرِ، سَمَعْتُ مُحمّدَ بنَ إسْمَاعِيلَ يقولُ‏:‏ مُحمّدُ بنُ سَائِبٍ الْكَلْبِيّ يُكْنَى أَبَا النّضْرِ ولا نَعْرِفُ لِسَالِمِ أبي النّضْرِ المَدِنِيّ رِوَايَةً عن أبي صالحٍ مَوْلَى أُمّ هانئ‏.‏ وقد رُوِيَ عن ابنِ عَبّاسٍ شَيْءٌ من هذا عَلَى الاخْتِصَارِ من غيرِ هذا الْوَجْهِ‏.‏

3157- حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، أخبرنا يَحْيَى بنُ آدَمَ، عن ابنِ أبي زَائِدَةَ، عن مُحمّدِ بنِ أبي الْقَاسِمِ، عن عبدِ المَلِكِ بنِ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن أبِيهِ عن ابنِ عَبّاسٍ قال‏:‏ ‏"‏خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمَ الّدارِيّ وَعَدِيّ بنِ بَدّاءٍ، فَمَاتَ السّهْمِيّ بِأَرْضِ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمٌ، فَلَمّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جاماً مِنْ فِضّةٍ مُخَوّصاً بِالذَهَبِ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمّ وَجَدُوا الْجَامَ بِمَكّةَ، فَقِيلَ‏:‏ اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيَ، فَقَامَ رَجُلاَنِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السّهْمِيّ فَحَلَفَا بالله لَشَهَادَتُنَا أَحْقّ مِنْ شِهَادَتِهِمَا، وَإِنّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ‏.‏ قال‏:‏ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏يا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وَهُوَ حديثُ ابنُ أبي زَائِدَةَ‏.‏

3158- حدثنا الْحَسَنُ بنُ قَزَعَةَ الْبَصْرِيّ، أخبرنا سُفْيَانُ بنُ حَبِيبٍ، حدثنا سَعِيدٌ عن قَتَادَةَ، عن خِلاَسِ بنِ عَمْرٍو عن عَمّارِ بنِ يَاسِرٍ قال‏:‏ قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أُنْزِلَتْ الْمَائِدَةُ مِنْ السّماءِ خُبْزاً وَلَحْماً، وَأُمِرُوا أَنْ لا يَخُونُوا ولا يَدّخِرُوا لِغَدٍ، فَخَانُوا وَادّخَرُوا وَرَفَعُوا لِغَدٍ، فَمُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏ وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ وغيرُ وَاحِدٍ عن سَعِيدِ بنِ أبي عَرُوبَةَ، عن قَتَادَةَ عن خِلاَسٍ، عن عَمّارِ بن ياسر موقوفاً، ولا نَعْرِفُهُ مرفوعاً إِلاّ من حديثِ الْحَسَنِ بنِ قَزَعَةَ‏.‏

3159- حدثنا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ أخبرنا سُفْيَانُ بنُ حَبِيبٍ، عن سَعِيدِ بنِ أبي عَرُوبَةَ نحْوَهُ ولم يَرْفَعْهُ‏.‏

وهذا أَصَحّ من حديثِ الْحَسَنِ بنِ قَزَعَةَ، ولا نَعْلَمُ للحديثِ المرفوعِ أصْلاً‏.‏

3160- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ بن عيينة عن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ عن طَاوُسٍ عن أبي هُرَيْرَةَ قال‏:‏ ‏"‏يُلَقّى عِيسَى حُجّتَهُ فَلَقّاهُ الله في قوله‏:‏ ‏{‏وَإِذ قَالَ الله يَا عِيسِى بْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتّخِذُونِي وَأُمّيَ إِلَهيْنِ مِنْ دُونِ الله‏}‏ قال أبو هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فَلَقّاهُ الله‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقّ‏}‏‏"‏ الاَيةُ كلّهَا‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3161- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ وَهْبٍ، عن حُيَيّ، عن أبي عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحُبُلِيّ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو قال‏:‏ ‏"‏آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ ‏(‏وَالْفَتْحُ‏)‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ ورُوِيَ عن ابنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قال‏:‏ ‏"‏آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ‏}‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏قال رجل من الهيود‏)‏ هذا الرجل هو كعب الأحبار، بين ذلك مسدد في مسنده والطبري في تفسيره، والطبراني في الأوسط، وللبخاري في المغازي من طريق الثوري عن قيس بن مسلم‏.‏ أن ناساً من اليهود، وله في التفسير من هذا الوجه بلفظ‏:‏ قالت اليهود، فيحمل على أنهم كانوا حين سؤال كعب عن ذلك جماعة وتكلم كعب على لسانهم ‏(‏لا تخذنا ذلك اليوم عيداً‏)‏ أي لعظمناه وجعلناه عيداً لنا في كل سنة لعظم ما حصل فيه من إكمال الدين ‏(‏فقال عمر إني لأعلم أي يوم أنزلت هذه الاَية، أنزلت يوم عرفة في يوم الجمعة‏)‏‏.‏

فإن قيل‏:‏ كيف طابق الجواب السؤال لأنه قال‏:‏ لاتخذناه عيداً، وأجاب عمر رضي الله عنه بمعرفة الوقت والمكان ولم يقل جعلناه عيداً‏.‏

والجواب‏:‏ أن هذه الرواية اكتفى فيها بالإشارة، وإلا فرواية إسحاق قد نصت على المراد ولفظه، نزلت يوم الجمعة يوم عرفة وكلاهما بحمد الله لنا عيد، لفظ الطبري والطبراني وهما لنا عيدان، وكذا عند الترمذي من حديث ابن عباس أن يهودياً سأله عن ذلك فقال‏:‏ نزلت في يوم عيدين‏:‏ يوم جمعة ويوم عرفة، فظهر أن الجواب تضمن أنهم اتخذوا ذلك اليوم عيداً وهو يوم الجمعة، واتخذوا يوم عرفة لأنه ليلة العيد، وهذا كما جاء في الحديث شهرا عيد لا ينقصان، رمضان وذو الحجة‏.‏ فسمى رمضان عيداً لأنه يعقبه العيد قاله الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري في الإيمان والتفسير وغيرهما، ومسلم في آخر الكتاب، والنسائي في الحج والإيمان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏{‏اليوم أكملت لكم دينكم‏}‏ أحكامه وفرائضه فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام ‏{‏وأتممت عليكم نعمتي‏}‏ بإكماله، وقيل بدخول مكة آمنين ‏{‏ورضيت‏}‏ اخترت ‏{‏لكم الإسلام ديناً‏}‏ حال، أي اخترته لكم من بين الأديان وآدنتكم بأنه هو الدين المرضي وحده وأخرجه ابن جرير في تفسيره‏.‏

- وله‏:‏ ‏(‏يمين الرحمن ملأى‏)‏ بفتح الميم وسكون اللام وهمزة مع القصر تأنيث ملاَن‏.‏

قال الحافظ‏:‏ المراد من قوله ملأى لازمه وهو أنه في غاية الغنى وعنده من الرزق ما لا نهاية له في علم الخلائق ‏(‏سحاء‏)‏ بفتح المهملتين مثقل ممدود، أي دائمة الصب‏.‏ يقال سح بفتح أوله مثقل، يسح بكسر السين في المضارع ويجوز ضمها، ‏(‏لا يغيضها‏)‏ بالمعجمتين بفتح أوله أي لا ينقصها لازم ومتعد‏.‏ يقال غاض الماء يغيض إذا نقص، وغضته أنا أغيضه‏:‏ أي لا يغيضها نفقة، كما في رواية الشيخين، أو لا يغيضها شيء كما في رواية لمسلم ‏(‏الليل والنهار‏)‏ بالنصب على الظرف‏:‏ أي فيهما ‏(‏أرأيتم‏)‏ أي أخبروني، وقيل أعلمتم وأبصرتم ‏(‏ما أنفق‏)‏ ما مصدرية أي إنفاق الله، وقيل ما موصولة متضمنة معنى الشرط أي الذي أنفقه ‏(‏منذ خلق السماوات‏)‏ زاد البخاري وغيره والأرض أي من يوم خلق السماوات فإنه أي الإنفاق أو الذي أنفق ‏(‏لم يغض‏)‏ أي لم ينقص ‏(‏ما في يمينه‏)‏ أي الذي في يمينه ‏(‏وعرشه على الماء‏)‏ حال من ضمير خلق ومناسبة ذكر العرض هنا، أن السامع هنا يتطلع من قوله خلق السماوات والأرض ما كان قبل ذلك، فذكر ما يدل على أن عرشه قبل خلق السماوات والأرض كان على الماء، كما وقع في حديث عمران بن حصين بلفظ‏:‏ ‏"‏كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض‏"‏ ‏(‏وبيده الأخرى الميزان‏)‏ قال الخطابي‏:‏ الميزان هنا مثل وإنما هو قسمته بالعدل بين الخلق ‏(‏يخفض ويرفع‏)‏ أي يوسع الرزق على من يشاء ويقتر كما يصنعه الوزان عند الوزن يرفع مرة ويخفض أخرى، وأئمة السنة على وجوب الإيمان بهذا وأشباهه من غير تفسير بل يجري على ظاهره ولا يقال كيف، قاله العيني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا الحديث في تفسير هذه الاَية‏)‏ ‏{‏وقالت اليهود‏}‏ لما ضيق عليهم بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا أكثر الناس مالاً ‏{‏يد الله مغلولة‏}‏ مقبوضة عن إدرار الأرزاق علينا كنوابه عن البخل تعالى عن ذلك، قال تعالى‏:‏ ‏{‏غلت‏}‏ أمسكت ‏{‏أيديهم‏}‏ عن فعل الخيرات دعاء عليهم، وبقية الاَية مع تفسيرها هكذا، ولعنوا بما قالوا‏:‏ أي طردوا عن رحمة الله بسبب ما قالوا، بل يداه مبسوطتان‏:‏ مبالغة في الوصف بالجود، وثنى اليد لإفادة الكثرة، إذ غاية ما يبذله السخي من ماله أن يعطي بيده، ينفق كيف يشاء من توسع وتضييق لا اعتراض عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا الحديث قال الأئمة يؤمن به كما جاء الخ‏)‏ تقدم الكلام في هذه المسألة في باب فضل الصدقة من أبواب الزكاة‏.‏

- وله‏:‏ ‏(‏أخبرنا الحارث بن عبيد‏)‏ الإيادي بكسر الهمزة بعدها تحتانية، أبو قدامة البصري صدوق يخطئ من الثامنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحرس‏)‏ بصيغة المجهول من الحراسة، أي يحفظه الصحابة رضي الله تعالى عنهم عن الكفار ‏{‏والله يعصمك من الناس‏}‏ أي يحفظك يا محمد ويمنعك منهم، والمراد بالناس هنا الكفار‏.‏

فإن قيل‏:‏ أليس قد شج رأسه وكسرت رباعيته يوم أحد وقد أوذي بضروب من الأذى، فكيف يجمع بين ذلك وبين قوله ‏(‏والله يعصمك من الناس‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ المراد منه أنه يعصمه من القتل فلا يقدر عليه أحد أراده بالقتل، وقيل في الجواب عن هذا إن هذه الاَية نزلت بعد ما شج رأسه في يوم أحد لأن سورة المائدة من آخر القرآن نزولاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ وإسناده حسن واختلف في وصله وإرساله، والحديث أخرجه أيضاً ابن أبي حاتم وابن جرير والحاكم في مستدركه‏.‏ وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ‏(‏وروى بعضهم هذا الحديث عن الجريري عن عبد الله بن شقيق قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس ولم يذكروا فيه عن عائشة‏)‏ قال الحافظ ابن كثير بعد نقل كلام الترمذي هذا‏:‏ هكذا رواه ابن جرير من طريق إسماعيل بن علية وابن مردويه من طريق وهيب، كلاهما عن الجريري عن عبد الله بن شقيق مرسلاً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن علي بن بذيمة‏)‏ بفتح الموحدة وكسر المعجمة الخفيفة بعدها تحتانية ساكنة الجزري، كنيته أبو عبد الله مولى جابر بن سمرة السوائي كوفي الأصل ثقة رمي بالتشييع من السادسة ‏(‏عن أبي عبيدة‏)‏ بن عبد الله بن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في المعاصي‏)‏ أي من الزنا وصيد يوم السبت وغيرهما ‏(‏فنهتهم علماؤهم‏)‏ أي أولاً ‏(‏فلم ينتهوا‏)‏ أي فلم يقبلوا النهي ولم يتركوا المنهى ‏(‏فجالسوهم‏)‏ أي العلماء ‏(‏في مجالسهم‏)‏ أي مجالس بني إسرائيل العصاة ومساكنهم ‏(‏وواكلوهم‏)‏ من المواكلة مفاعلة للمشاركة في الأكل، وكذا قوله وشاربوهم ‏(‏فضرب الله قلوب بعضهم على بعض‏)‏ وفي الراوية الاَتية ببعض‏.‏ قال القاري‏:‏ أي خلط قلوب بعضهم ببعض، يقال ضرب اللبن بعضه ببعض‏:‏ أي خلطه، ذكره الراغب‏.‏ وقال ابن الملك‏:‏ الباء للسببية، أي سود الله قلب من لم يعص بشؤم من عصى، فصارت قلوب جميعهم قاسية بعيدة عن قبول الحق والخير أو الرحمة بسبب المعاصي ومخالطة بعضهم بعضاً‏.‏ انتهى‏.‏

قال القاري‏:‏ وقوله قلب من لم يعص، ليس على إطلاقه، لأن مواكلتهم ومشاربتهم من إكراه وإلجاء بعد عدم انتهائهم عن معاصيهم معصية ظاهرة، لأن مقتضى البغض في الله أن يبعدوا عنهم ويهاجروهم ويقاطعوهم ولم يواصلوهم ‏(‏ولعنهم‏)‏ أي العاصين والساكتين المصاحبين ‏(‏على لسان داود‏)‏ بأن دعا عليهم فمسخوا قردة وهم أصحاب أيلة ‏(‏وعيسى بن مريم‏)‏ بأن دعا عليهم فمسخوا خنازير وهم أصحاب المائدة ‏(‏ذلك‏)‏ أي اللعن ‏(‏بما عصوا‏)‏ أي بسبب عصيانهم مباشرة ومعاشرة ‏(‏وكانوا يعتدون‏)‏ أي يتجاوزون عن الحد ‏(‏قال‏)‏ أي ابن مسعود ‏(‏فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً‏)‏ أي على أحد شقيه أو مستنداً إلى ظهره قبل ذلك فجلس مستوياً للاهتمام بإتمام الكلام ‏(‏فقال لا‏)‏ أي لا تعذرون أو لا تنجون من العذاب، أنتم أيها الأمة خلف أهل تلك الأمة ‏(‏والذي نفسي بيده حتى تأطروهم‏)‏ بهمزة ساكنة ويبدل وبكسر الطاء ‏(‏أطراً‏)‏ بفتح الهمزة مفعول مطلق للتأكيد أي حتى تمنعوا أمثالهم من أهل المعصية‏.‏ قال في المجمع‏:‏ أي لا تنجون من العذاب حتى تميلوهم من جانب إلى جانب من أطرت القوس آطرها بكسر طاء أطراً بسكونها إذا حنيتها، أي تمنعوهم من الظلم وتميلوهم عن الباطل إلى الحق‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ حتى متعلقة بلا كأن قائلاً قال له عند ذكر مظالم بي إسرائيل هل يعذر في تخلية الظالمين وشأنهم، فقال لا حتى تأطروهم وتأخذوا على أيديهم‏.‏ والمعنى لا تعذرون حتى تجبروا الظالم على الإذعان للحق وإعطاء النصفة للمظلوم‏.‏ واليمين معترضة بين لا وحتى وليست لا هذه بتلك التي يجيء بها المقسم تأكيداً لقسمه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال يزيد‏)‏ هو ابن هارون ‏(‏وكان سفيان الثوري لا يقول فيه عن عبد الله‏)‏ كما ذكره الترمذي فيما بعد بقوله حدثنا محمد بن بشار، أخبرنا عبد الرحمن ابن مهدي، أخبرنا سفيان إلخ‏.‏ ورواه أيضاً ابن ماجه بهذا السند مرسلاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه، قال المنذري وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه فهو منقطع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روي هذا الحديث عن محمد بن مسلم بن أبي الوضاح عن علي بن بذيمة الخ‏)‏ وصله الترمذي فيما بعد بقوله‏:‏ حدثنا محمد بن بشار، أخبرنا أبو داود وأملاه علي، أخبرنا محمد بن مسلم بن أبي الوضاح إلخ‏.‏‏.‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لم يمنعه ما رأى منه‏)‏ أي لم يمنع الناهي ما رأى هو من المذنب من وقوعه على الذنب ‏(‏أن يكون‏)‏ أي من أن يكون الناهي ‏(‏أكيله وشريبه‏)‏ أي مواكل المذنب ومشاربه ومخالطه‏.‏ ولفظ أبي داود أن أول ما دخل النقص على بني إسلائيل‏.‏ كان الرجل يلقى الرجل، فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأملاه علي‏)‏ أي ألقى على الحديث فكتبته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو عاصم‏)‏ اسمه الضحاك بن مخلد النبيل ‏(‏حدثنا عثمان بن سعد‏)‏ الكاتب المعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم‏)‏ أي ما طاب ولذ من الحلال‏.‏ ومعنى لا تحرموا لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم، أو لا تقولوا حرمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها تزهداً منكم وتقشفاً ‏{‏ولا تعتدوا‏}‏ أي ولا تجاوزوا الحد الذي حد عليكم في تحليل أو تحريم، أو ولا تتعدوا حدود ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم، أو ولا تسرفوا في تناول الطيبات ‏{‏إن الله لا يجب المعتدين‏}‏ حدوده ‏{‏وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً‏}‏ حلالاً حال ما رزقكم الله‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن يوسف‏)‏ هو الضبي الفريابي، ‏(‏أخبرنا أبو إسحاق‏)‏ هو السبيعي ‏(‏عن عمرو بن شرحبيل‏)‏ الهمداني أبي ميسرة الكوفي ثقة عابد مخضرم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بيان شفاء‏)‏ بالإضافة أي بياناً شافياً ‏{‏يسألونك عن الخمر والميسر‏}‏ أي القمار يعني ما حكمهما ‏{‏قل‏}‏ لهم ‏{‏فيهما‏}‏ أي في تعاطيهما ‏{‏إثم كبير‏}‏ أي عظيم لما يحصل بسببهما من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش الاَية، أي ومنافع للناس باللذة والفرح في الخمر وإصابة المال بلا كد في الميسر ‏{‏وإثمهما‏}‏ أي ما ينشأ عنهما من المفاسد ‏{‏أكبر‏}‏ أعظم ‏{‏من نفعهما‏}‏ لأن أصحاب الشرب والقمار يقترفون فيهما الاَثام من وجوه كثيرة ‏(‏فقرئت عليه‏)‏ أي الاَية المذكورة ‏{‏إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم لعداوة والبغضاء في الخمر والميسر‏}‏ وبعده ‏{‏ويصدكم‏}‏‏:‏ عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ‏(‏فقال‏)‏ أي عمر ‏(‏انتهينا انتهينا‏)‏ أي عن إتيانهما أو عن طلب البيان الشافي والظاهر هو الأول‏.‏ وفي رواية أبي داود فنزلت هذه الاَية ‏{‏فهل أنتم منتهون‏}‏‏.‏

قال الطيبي‏:‏ فنزلت هذه الاَية يعني قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر‏}‏ الاَيتين وفيهما دلائل سبعة على تحريم الخمر‏:‏ أحدها قوله ‏(‏رجس‏)‏ والرجس هو النجس وكل نجس حرام، والثاني قوله ‏(‏من عمل الشيطان‏)‏ وما هو‏.‏ من عمله حرام‏.‏ والثالث‏:‏ قوله ‏(‏فاجتنبوه‏)‏ وما أمر الله تعالى باجتنابه فهو حرام‏.‏ والرابع‏:‏ قوله ‏(‏لعلكم تفلحون‏)‏ وما علق رجاء الفلاح باجتنابه فالإتيان به حرام والخامس قوله‏:‏ ‏(‏يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر‏}‏ وما هو سبب وقوع العداوة والبغضاء بين المسلمين فهو حرام‏.‏ والسادس قوله ‏(‏يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة‏)‏ وما يصد به الشيطان عن ذكر الله وعن الصلاة فهو حرام‏:‏ والسابع قوله‏:‏ ‏(‏فهل أنتم منتهون‏)‏ معناه انتهوا وما أمر الله عباده بالانتهاء عنه فالإتيان به حرام انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روي عن إسرائيل مرسلاً‏)‏ أي روي عنه عن أبي إسحاق عن عمرو بن شرحبيل بلفظ‏:‏ أن عمر بن الخطاب قال اللهم إلخ، كما بينه الترمذي بعد هذا‏.‏

‏(‏حدثنا محمد بن العلاء‏)‏ كنيته أبو كريب وهو مشهور بها ‏(‏عن أبي ميسرة‏)‏ هو كنيته عمرو بن شرحبيل المذكور في الإسناد المتقدم ‏(‏وهذا أصح من حديث محمد بن يوسف‏)‏ أي حديث وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن شرحبيل بلفظ أن عمر بن الخطاب قال أصح من حديث محمد بن يوسف عن أبي إسحاق عن عمر، وبلفظ عن عمر بن الخطاب أنه قال، لأن وكيعاً أحفظ من محمد بن يوسف‏.‏

قلت‏:‏ فيه أن محمد بن يوسف لم ينفرد بلفظ عن عمر بل قد تابعه على هذا اللفظ إسماعيل بن جعفر عند أبي داود وخلف بن الوليد عند أحمد‏.‏ وحديث عمر هذا أخرجه أيضاً أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏ وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث صححه علي بن المديني والترمذي وكذا قال الحافظ ابن كثير في تفسيره‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏فلما حرمت‏)‏ قال الحافظ‏:‏ والذي يظهر أن تحريمها كان عام الفتح سنة ثمان‏.‏ وذكر روايات تدل على ذلك ‏{‏ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا‏}‏ أي لا حرج عليهم ولا إثم عليهم فيما شربوا من الخمر وأكلوا من مال القمار في وقت الإباحة قبل التحريم‏.‏

قال ابن قتيبة‏:‏ يقال لم أطعم خبزا ولا ماء ولا نوماً‏.‏ قال الشاعر‏:‏

فإن شئت حرمت النساء سواكمو *** وإن شئت لم أطعم نقاخاً ولا برداً

النقاخ الماء، والبرد النوم ‏{‏إذا ما اتقوا‏}‏ أي إذا ما اتقوا الشرك، وقيل اتقوا ما حرم الله عليهم ‏{‏وآمنوا‏}‏ يعني بالله ورسوله ‏{‏وعملوا الصالحات‏}‏ أي ازدادوا من عمل الصالحات ثم ‏{‏اتقوا وآمنوا‏}‏ أي اتقوا الخمر والميسر بعد التحريم‏.‏ فعلى هذا تكون الأولى إخباراً عن حال من مات وهو يشربها قبل التحريم أنه لا جناح عليه، والثانية خطاب من بقي بعد التحريم أمروا باتقائها والإيمان بتحريمها‏.‏ ‏{‏ثم اتقوا‏}‏‏:‏ أي ما حرم عليهم في المستقبل، ‏{‏وأحسنوا‏}‏‏:‏ أي العمل، وقيل المراد بالاتقاء الأول فعل التقوى، وبالثاني المداومة عليها، وبالثالث اتقاء الظلم مع ضم الإحسان إليه‏.‏ وقيل إن المقصود من التكرير التأكيد والمبالغة في الحث على الإيمان والتقوى وضم الإحسان إليهما، والله يحب المحسنين‏:‏ أي أنه تعالى يحب المتقربين إليه بالإيمان والأعمال الصالحة والتقوى والإحسان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود والطيالسي‏.‏ وقد رواه شعبة عن أبي إسحاق عن البراء أيضاً، أي كما أن إسرائيل روى هذا الحديث عن إبي إسحاق عن البراء كذلك رواه شعبة أيضاً عن أبي إسحاق عن البراء‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أرأيت‏)‏ أي أخبرني ‏(‏وهم يشربون الخمر‏)‏ جملة حالية، لما نزل تحريم الخمر ظرف بقوله، قالوا‏:‏ أي قالوا حين نزل تحريم الخمر‏.‏ قال في القاموس‏:‏ لما تكون بمعنى حين ولم الجازمة وإلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وزاد في آخره‏:‏ ولما حولت القبلة قال ناس يا رسول الله إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس، فأنزل الله‏:‏ ‏{‏وما كان الله ليضيع إيمانكم‏}‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لي‏)‏ ‏"‏أنت منهم‏"‏ قال النووي معناه أن ابن مسعود منهم انتهى‏.‏ وقال الخازن معناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له إن ابن مسعود منهم يعني من الذين آمنوا وعملوا الصالحات إلخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا منصور بن وردان‏)‏ الأسدي العطار الكوفي مقبول من التاسعة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو عبد الأعلى بن عامر الثعلبي بالمثلثة والمهملة، الكوفي صدوق، يهم من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في كل عام‏)‏ بحذف همزة الاستفهام ‏(‏ولو قلت نعم لوجبت‏)‏ استدل بظاهره على أن الإيجاب كان مفوضاً إليه صلى الله عليه وسلم كما ذهب إليه بعضهم، ورد بأن قوله‏:‏ لو قلت، أعم من أن يكون من تلقاء نفسه أو بوحي نازل أو رأي يراه إن جوزنا له الاجتهاد، والدال على الأعم لا يدل على الأخص، قاله الطيبي وغيره ‏{‏لا تسألوا عن أشياء‏}‏ قال الخليل وسيبويه وجمهور البصريين أصله شيئاء بهمزتين بينهما ألف وهي فعلاء من لفظ شيء وهمزتها الثانية للتأنيث، ولذا لم تنصرف كحمراء وهي مفردة لفظ جمع معنى، ولما استثقلت الهمزتان المجتمعتان قدمت الأولى التي هي لام الكلمة فجعلت قبل الشين، فصار وزنها لفعاء ‏{‏إن تبدلكم‏}‏ أي تظهر لكم ‏{‏تسؤكم‏}‏ لما فيها من المشقة، ‏{‏وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن‏}‏‏:‏ أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم تبدلكم‏.‏ المعنى إذا سألتم عن أشياء في زمنه ينزل القرآن بإبدائها ومتى أبدأها ساءتكم فلا تسألوا عنها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه، وقد تقدم هذا الحديث بإسناده ومتنه في باب‏:‏ كم فرض الحج، وبينت هناك أن هذا الحديث منقطع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس‏)‏ تقدم تخريج حديثهما في الباب المذكور‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن معمر‏)‏ بن ربعي القيسي ‏(‏أبو عبد الله البصري‏)‏ البحراني بالموحدة والمهملة، صدوق من كبار الحادية عشرة ‏(‏أخبرني موسى بن أنس‏)‏ بن مالك الأنصاري قاضي البصرة، ثقة من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال رجل‏)‏ هو عبد الله بن حذافة القرشي السهمي، وفي رواية البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج، فقام عبد الله بن حذافة فقال‏:‏ من أبي ‏(‏من أبي‏)‏ جملة من المبتدأ والخبر مقول القول‏.‏

فإن قلت‏:‏ لم سأله عن ذلك‏؟‏

قلت‏:‏ لأنه كان ينسب إلى غير أبيه إذا لاحى أحداً فنسبه عليه الصلاة والسلام إلى أبيه‏.‏

فإن قلت‏:‏ من أين عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ابنه‏؟‏

قلت‏:‏ إما بالوحي وهو الظاهر أو بحكم الفراسة، قاله العيني ‏(‏لا تسألوا عن أشياء الخ‏)‏ قال الحافظ‏:‏ قد تعلق بهذا النهي من كره السؤال عما لم يقع وقد أسنده الدارمي في مقدمة كتابه عن جماعة من الصحابة والتابعين‏.‏ وقال ابن العربي‏:‏ اعتقد قوم من الغافلين منع أسئلة النوازل حتى تقع تعلقاً بهذه الاَية وليس كذلك لأنها مصرحة بأن المنهي عنه ما تقع المسألة في جوابه، ومسائل النوازل ليست كذلك وهو كما قال إلا أنه أساء في قوله الغافلين على عادته كما نبه عليه القرطبي‏.‏ وقد روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رفعه‏:‏ أعظم المسلمين بالمسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته، وهذا يبين المراد من الاَية وليس مما أشار إليه ابن العربي في شيء انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أنه قال يا أيها الناس‏)‏ وفي رواية أحمد‏:‏ قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ يا أيها الناس ‏(‏إنكم تقرؤون هذه الاَية‏)‏ زاد أبو داود في روايته وتضعونها على غير مواضعها، يعني تجرونها على عمومها وتمتنعون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقاً وليس كذلك ‏{‏يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم‏}‏ انتصب أنفسكم بعليكم وهو من أسماء الأفعال، أي الزموا إصلاح أنفسكم واحفظوها عن المعاصي، والكاف والميم في عليكم في موضع جر لأن اسم الفعل هو الجار والمجرور لا على وحدها ‏{‏لا يضركم من ضل إذا اهتديتم‏}‏ أي فإذا ألزمتم إصلاح أنفسكم وحفظتموها، لم يضركم إذا عجزتم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضلال من ضل بارتكاب المناهي إذا اهتديتم اجتنابها‏.‏ وليس في هذه الاَية دليل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان فعل ذلك ممكناً ‏(‏فلم يأخذوا على يديه‏)‏ أي لم يمنعوه عن ظلمه مع القدرة على منعه أن يعمهم الله بعقاب منه، أي بنوع من العذاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏ وقد تقدم هذا الحديث في باب نزول العذاب إذ لم يغير المنكر من أبواب الفتن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد رواه غير واحد عن إسماعيل بن أبي خالد نحو هذا الحديث مرفوعاً الخ‏)‏ قال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ قد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه وغيرهم من طرق كثيرة عن جماعة كثيرة عن إسماعيل بن أبي خالد به متصلاً مرفوعاً، ومنهم من رواه عنه به موقوفاً على الصديق، وقد رجح رفعه الدارقطني وغيره‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عتبة بن أبي حكيم‏)‏ الهمداني بسكون الميم أبو العباس الأردني بضم الهمزة والدال بينهما راء ساكنة وتشديد النون، صدوق يخطي كثيراً من السادسة ‏(‏أخبرنا عمرو بن جارية‏)‏ بالجيم اللخمي شامي مقبول‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ يقال إنه عم عتبة بن أبي حكيم، ذكره ابن حبان في الثقات له عندهم حديث واحد من رواية أبي أمية عن أبي ثعلبة‏:‏ إذا رأيت شحاً مطاعاً الحديث ‏(‏عن أبي أمية الشعباني‏)‏ الدمشقي اسمه يحمد بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الميم، وقيل بفتح أوله والميم، وقيل اسمه عبد الله مقبول من الثانية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلت له كيف تصنع في هذه الاَية‏)‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ كيف تقول في هذه الاَية، يعني ما معنى هذه الاَية وما تقول فيها، فإن ظاهرها يدل على أنه لا حاجة إلى الأمر والنهي بل على كل مسلم إصلاح نفسه ‏(‏أما‏)‏ بالتخفيف حرف التنبيه ‏(‏لقد سألت‏)‏ بفتح التاء بصيغة الخطاب ‏(‏خبيراً‏)‏ أي عارفاً وعالماً بمعنى هذه الاَية ‏(‏سألت‏)‏ بضم التاء بصيغة المتكلم ‏(‏بل ائتمروا‏)‏ أي امتثلوا ‏(‏بالمعروف‏)‏ أي ومنه الأمر به ‏(‏وتناهوا‏)‏ أي انتهوا واجتنبوا ‏(‏عن المنكر‏)‏ ومنه الامتناع عن نهيه أو الائتمار بمعنى التآمر، كالاختصام بمعنى التخاصم، ويؤيده التناهي‏.‏ والمعنى ليأمر بعضكم بالمعروف، وتنه طائفة منكم طائفة عن المنكر‏.‏

وقال الطيبي رحمه الله‏:‏ قوله بل ائتمروا إضراب عن مقدر، أي سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت أما نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بناء على ظاهر الاَية‏؟‏ فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ لا تتركوا بل ائتمروا بالمعروف الخ ‏(‏حتى إذا رأيت‏)‏ أي أيها المخاطب خطاباً عاماً‏.‏ والمعنى إذا علمت الغالب على الناس ‏(‏شحاً مطاعاً‏)‏ أي بخلاً مطاعاً بأن أطاعته نفسك وطاوعه غيرك قاله القاري‏.‏

وفي النهاية‏:‏ هو أشد البخل، وقيل البخل مع الحرص، وقيل البخل في أفراد الأمور وآحادها، والشح عام، وقيل البخل بالمال والشح بالمال وبالمعروف ‏(‏وهوى متبعاً‏)‏ بصيغة المفعول، أي وهوى للنفس متبوعاً‏.‏ وحاصله أن كلا يتبع هواه ‏(‏ودنيا‏)‏ بالقصر وهي عبارة عن المال والجاه في الدار الدنية ‏(‏موثرة‏)‏ أي مختارة على أمور الدين ‏(‏وإعجاب كل ذي رأي برأيه‏)‏ أي من غير نظر إلى الكتاب والسنة، والأعجاب بكسر الهمزة‏:‏ هو وجدان الشيء حسناً ورؤيته مستحسناً بحيث يصير صاحبه به معجباً وعن قبول كلام الغير مجنباً وإن كان قبيحاً في نفس الأمر ‏(‏فعليك نفسك‏)‏ منصوب وقيل مرفوع، أي فالواجب أو فيجب عليك حفظها من المعاصي‏.‏ لكن يؤيد الأول وهو أن يكون للإغراء بمعنى الزم خاصة نفسك قوله ‏(‏ودع العوام‏)‏ أي اترك أمر عامة الناس الخارجين عن طريق الخواص ‏(‏فإن من وراءكم أياماً‏)‏ أي قدامكم من الأزمان الاَتية ‏(‏الصبر فيهن مثل القبض على الجمر‏)‏ يعني يلحقه المشقة بالصبر في تلك الأيام كمشقة الصابر على قبض الجمر بيده ‏(‏يعملون مثل عملكم‏)‏‏.‏

وفي رواية أبي داود‏:‏ يعملون مثل عمله، أي في غير زمانه ‏(‏قال لا بل أجر خمسين رجلاً منكم‏)‏ قال في اللمعات‏:‏ يدل على فضل هؤلاء في الأجر على الصحابة من هذه الحيثية، وقد جاء أمثال هذا أحاديث أخر، وتوجيهه كما ذكروا أن الفضل الجزئي لا ينافي الفضل الكلي‏.‏

وقد تكلم ابن عبد البر في هذه المسألة وقال‏:‏ يمكن أن يجيء بعد الصحابة من هو في درجة بعض منهم أو أفضل ومختار العلماء خلافه انتهى‏.‏

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام‏:‏ ليس هذا على إطلاقه بل هو مبني على قاعدتين‏:‏

أحديهما‏:‏ أن الأعمال تشرف بثمراتها، والثانية أن الغريب في آخر الإسلام كالغريب في أوله وبالعكس، لقوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبي للغرباء من أمتي‏"‏، يريد المنفردين عن أهل زمانهم‏.‏

إذا تقرر ذلك فنقول‏:‏ الإنفاق في أول الإسلام أفضل لقوله عليه السلام لخالد بن الوليد رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه‏"‏، أي مد الحنطة‏.‏ والسبب فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام وإعلاء كلمة الله ما لا يثمر غيرها، وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين لقلة عدد المتقدمين وقلة أنصارهم، فكان جهادهم أفضل، ولأن بذل النفس مع النصرة ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها، ولذلك قال عليه السلام يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقة فكذلك المتأخر في حفظ دينه، وأما المتقدمون فليسوا كذلك لكثرة المعين وعدم المنكر‏.‏ فعلى هذا يترك الحديث انتهى، كذا في مرقاة الصعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي النضر‏)‏ اسمه محمد بن السائب بن بشر الكلبي الكوفي النسابة المفسر، متهم بالكذب ورمي بالرفض من السادسة ‏(‏عن باذان‏)‏ قال في التقريب‏:‏ باذام بالذال المعجمة‏.‏ ويقال آخره نون، أبو صالح، مولى أم هانئ، ضعيف مدلس من الثالثة ‏(‏عن تميم الداري‏)‏ صحابي مشهور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال برئ الناس منها‏)‏ أي من هذه الاَية ‏(‏غيري وغير عدي بن بداء‏)‏ بفتح الموحدة وتشديد المهملة مع المد ووقع عند الواقدي‏:‏ أن عدي بن بداه كان أخا تميم الداري، فإن ثبت فلعله أخوه لأمه أو من الرضاعة لكن في تفسير مقاتل بن حيان أن رحلين نصرانيين من أهل دارين أحدهما تميم والاَخر يماني قاله الحافظ ‏(‏يختلفان إلى الشام‏)‏ أي يترددان إليه للتجارة ‏(‏يقال له بديل ابن أبي مريم‏)‏ بضم الموحدة وفتح الدال المهملة مصغراً‏.‏ ووقع في رواية ابن جريج أنه كان مسلماً، وكذا أخرجه بسنده في تفسيره ‏(‏ومعه جام‏)‏ بالجيم وتخفيف الميم‏:‏ أي إناء ‏(‏يريد به الملك‏)‏ أي ليبيعه منه ‏(‏وهو عظم تجارته‏)‏ بضم العين المهملة وسكون الظاء المعجمة، أي معظم أموال تجارته أو بكسر العين المهملة وفتح الظاء المعجمة‏.‏ وعظم الشيء كبره ‏(‏فمرض‏)‏ أي بديل السهمى ‏(‏فأوصى إليهما‏)‏ أي إلى تميم وعدي‏.‏

وفي رواية أن السهمي المذكور مرض، فكتب وصيته بيده ثم دسها في متاعه ثم أوصى إليهما ‏(‏أن يبلغا‏)‏ من الإبلاغ، أي يوصلا ‏(‏ما ترك‏)‏ مفعول أول ليبلغا ‏(‏أهله‏)‏ مفعول ثان ‏(‏فلما مات‏)‏ أي بديل ‏(‏وفقدوا الجام‏)‏ أي فقد أهل بديل الجام المذكور ولم يجدوه في متاعه ‏(‏تأثمت من ذلك‏)‏ أي تحرجت منه قال في النهاية‏:‏ يقال تأثم فلان إذا فعل فعلاً خرج به من الإثم، كما يقال تحرج إذا فعل ما يخرج به من الحرج ‏(‏عند صاحبي‏)‏ أي عدي بن بداء ‏(‏فأتوا‏)‏ أي أهل بديل ‏(‏به‏)‏ أي بعدي بن بداء ‏(‏فسألهم البينة‏)‏ أي طلب النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بديل البينة على ما أدعوه ‏(‏فلم يجدوا‏)‏ أي البينة ‏(‏أن يستحلفوه‏)‏ أي عدياً ‏(‏فخلف‏)‏ أي عدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم الخ‏)‏ الاَية بتمامها مع تفسيرها هكذا ‏{‏يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان‏}‏ ارتفع اثنان لأنه خبر المبتدأ بتقدير المضاف أي شهادة بينكم حينئذ شهادة اثنين أو فاعل شهادة بينكم على أن خبرها محذوف أي فيما نزل عليكم أن يشهد بينكم اثنان‏.‏ وأضاف الشهادة إلى البين توسعاً لأنها جارية بينهم، ‏{‏وإذا حضر‏}‏‏:‏ ظرف للشهادة، ‏{‏وحين الوصية‏}‏‏:‏ بدل منه، ‏{‏ذوا عدل منكم‏}‏‏:‏ يعني من أهل دينكم وملتكم يا معشر المؤمنين‏.‏ وقيل معناه من أقاربكم وهما صفتان لاثنان‏.‏

واختلفوا في هذين الاثنين، فقيل هما الشاهدان اللذان يشهدان على وصية الموصي، وقيل هما الوصيان لأن الاَية نزلت فيهما ولأنه قال تعالى‏:‏ فيقسمان بالله‏.‏ والشاهد لا يلزمه يمين وجعل الوصي اثنين تأكيداً، فعلى هذا تكون الشهادة بمعنى الحضور كقولك شهدت وصية فلان بمعنى حضرت، أو آخران‏:‏ كائنان من غيركم يعني من غير أهل دينكم وملتكم وهم الكفار، وقيل من غير عشيرتكم وقبيلتكم وهم مسلمون، والأول هو الأنسب بسياق الاَية، وبه قال أبو موسى الأشعري وابن عباس وغيرهما، فيكون في الاَية دليل على جواز شهادة أهل الذمة على المسلمين في السفر في خصوص الوصايا كما يفيده النظم القرآني‏.‏ ويشهد له السبب للنزول، فإذا لم يكن مع الموصي من يشهد على وصيته فليشهد رجلان من أهل الكفر فإذا قدما وأديا الشهادة على وصيته حلفا بعد الصلاة أنهما ما كذبا ولا بدلا وأن ما شهد به حق فيحكم حينئذ بشهادتهما فإن عثر‏:‏ بعد ذلك‏:‏ على أنهما، كذبا أو خانا حلف رجلان من أولياء الموصى وغرم الشاهدان الكافران ما ظهر عليهما من خيانة أو نحوها، هذا معنى الاَية عند من تقدم ذكره‏.‏ وبه قال سعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر وسعيد بن جبير وأبو مجلز والنخعي وشريح وعبيدة السلماني وابن سيرين ومجاهد وقتادة والسدي والثوري وأبو عبيدة وأحمد بن حنبل، وذهب إلى الثاني أعني تفسير ضمير منكم بالقرابة أو العشيرة‏.‏

وتفسير غيركم بالأجانب الزهري والحسن وعكرمة، وذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم من الفقهاء إلى أن الاَية منسوخة، واحتجوا بقوله ‏{‏ممن ترضون من الشهداء‏}‏ وقوله ‏{‏وأشهدوا ذوي عدل منكم‏}‏ والكفار ليسوا بمرضيين ولا عدول، وخالفهم الجمهور فقالوا الاَية محكمة وهو الحق لعدم وجود دليل صحيح على النسخ‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ممن ترضون من الشهداء‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وأشهدوا ذوي عدل منكم‏}‏ وفهما عامان في الأشخاص والأزمان والأحوال، وهذه الاَية خاصة بحالة الضرب في الأرض والوصية وبحالة عدم الشهود المسلمين، ولا تعارض بين خاص وعام ‏{‏إن أنتم ضربتم‏}‏ أي سافرتم، والظاهر أن هذا الشرط قيد في قوله آخران من غيركم فقط‏.‏ والمعنى ينبغي أن يشهد اثنان منكم فإن تعذر كما في السفر فمن غيركم وقيل هو قيد في أصل شهادة وذلك أنسب على تقدير تفسير الاَية باتخاذ الوصيين في الأرض ‏{‏فأصابتكم مصيبة الموت‏}‏ يعني فنزل بكم أسباب الموت فأوصيتم إليهما ودفعتم ما لكم إليها، ثم ذهبا إلى ورثتكم بوصيتكم وبما تركتم فارتابوا في أمرهما وادعوا عليهما خيانة، فالحكم فيه أنكم تحبسونهما‏:‏ أي ترقفونهما وهو استئناف كلام أو صفة لقوله أو آخران من غيركم أي وآخران من غيركم محبوسان والشرط بجوابه المحذوف المدلول عليه وآخران من غيركم اعتراض بين الصفة والموصوف من بعد الصلاة أي من بعد صلاة العصر، وبه قال عامة المفسرين‏.‏ ووجهه ذلك أن هذا الوقت كان معروفاً عندهم بالتحليف بعدها فالتقييد بالمعروف المشهور أغنى عن التقييد باللفظ مع ما عند أهل الكفر بالله من تعظيم ذلك الوقت وذلك لقربه من غروب الشمس، فيقسمان‏:‏ أي الشاهدان على الوصية أو الوصيان بالله إن ارتبتم أي إن شككتم في شأنهما واتهمتموهما فحلفوهما، وبهذا يحتج من يقول الاَية نازلة في إشهاد الكفار لأن تحليف الشاهد المسلم غير مشروع‏.‏

ومن قال الاَية نازلة في حق المسلم قال إنها منسوخة، وقوله إن ارتبتم‏:‏ اعتراض بين يقسمان وجوابه وهو لا نشتري به أي بالقسم ثمناً‏:‏ أي لا نعتاض عنه بعوض قليل من الدنيا الفانية الزائلة، ولو كان ذا قربى‏:‏ أي ولو كان المشهود له أو المقسم له ذا قرابة منا، ولا نكتم شهادة الله‏:‏ إنما أضاف الشهادة إلى الله سبحانه لأنه أمر بإقامتها ونهى عن كتمانها ‏{‏إنا إذاً لمن الاَثمين‏}‏ يعني إن كتمنا الشهادة أو خنا فيها، ‏{‏فإن عثر‏}‏‏:‏ يقال عثر على كذا اطلع عليه ويقال عثرت منه على خيانة أي اطلعت وأعثرت غيري عليه ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكذلك أعثرنا عليهم‏}‏ وأصل العثور‏:‏ الوقوع والسقوط على الشيء، وقيل الهجوم على شيء لم يهجم عليه غيره وكل من اطلع على أمر كان قد خفي عليه قيل له قد عثر عليه‏.‏ والمعنى أنه إذا اطلع وظهر بعد التحليف على أنهما أي الشاهدين أو الوصيين على الخلاف في أن الاثنين وصيان أو شاهدان على الوصية استحقا إثماً‏:‏ أي فعلاً ما يوجبه من خيانة أو كذب في الشهادة بأن وجد عندهما مثلاً ما اتهما به وادعيا أنهما ابتاعاه من الميت أو أوصى لهما به، فآخران أي فشاهدان آخران أو فحالفان آخران من أولياء الميت، يقومان مقامهما‏:‏ أي مقام الذين عثر على أنهما استحقا إثماً‏:‏ فيشهدان أو يحلفان على ما هو الحق، من الذين استحق عليهم‏:‏ على البناء للفاعل قراءة علي وابن عباس وأبي رضي الله عنهم، أي من أهل الميت الذين استحق عليهم الأوليان من بينهم أي الاَقربان إلى الميت الوارثان له الأحقان بالشهادة ومفعول استحق محذوف، أي استحقا عليهم أن يجردوهما للقيام بالشهادة لأنها حقهما ويظهروا بها كذب الكاذبين، وهما في الحقيقة الاَخران القائمان مقام الأولين على وضع المظهر مقام المضمر، وقرئ على البناء للمفعول وهو الأظهر أي من الذين استحق عليهم الإثم أي جنى عليهم وهم أهل الميت وعشيرته‏.‏ فالأوليان مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف كأنه قيل ومنهما فقيل الأوليان أو هو بدل من الضمير في يقومان أو من آخران، ‏{‏فيقسمان بالله‏}‏‏:‏ أي فيحلفان على خيانة الشاهدين ويقولان، ‏{‏لشهادتنا أحق من شهادتهما‏}‏‏:‏ يعني أيماننا أحق وأصدق من أيمانهما، وما اعتدينا‏:‏ أي ما تجاوزنا الحق في أيماننا، وقولنا إن شهادتنا أحق من شهادة هذين الوصيين الخائنين، ‏{‏إنا إذا لمن الظالمين‏}‏‏:‏ أي إن حلفنا كاذبين، ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها‏:‏ يعني ذلك الذي حكمنا به من رد اليمين على أولياء الميت بعد أيمانهم أقرب أن يأتوا بالشهادة على وجهها، يعني أن يأتي الوصيان وسائر الناس بالشهادة على وجهها الذي تحملوها عليه من غير تحريف ولا خيانة، ‏{‏أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم‏}‏‏:‏ أي وأقرب أن يخافوا أن ترد الأيمان على أولياء الميت فيحلفوا على خيانتهم وكذبهم فيفتضحوا أو يغرموا فربما لا يحلفون كاذبين إذا خافوا هذا الحكم، ‏{‏واتقوا الله‏}‏‏:‏ بترك الخيانة والكذب، ‏{‏واسمعوا‏}‏‏:‏ ما تؤمرون به سماع قبول، ‏{‏والله لا يهدي القوم الفاسقين‏}‏‏:‏ الخارجين عن طاعته إلى سبيل الخير ‏(‏فقام عمرو بن العاص ورجل آخر‏)‏ سمي مقاتل بن سليمان في تفسيره الاَخر المطلب بن أبي وداعة، وهو سهمى أيضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير ‏(‏ولا نعرف لسالم أبي النضر المديني رواية عن أبي صالح مولى أم هانئ‏)‏ مقصود الترمذي أن أبا النضر الذي وقع في إسناد هذا الحديث هو محمد بن السائب الكلبي، فإن روايته عن باذان أبي صالح معروفة، وليس أبو النضر هذا سالماً أبا النضر المديني لأنه لا يعرف له رواية عن باذان أبي صالح مولى أم هاني‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن أبي زائدة‏)‏ هو يحيى بن زكريا ‏(‏عن محمد بن أبي القاسم‏)‏ الطويل الكوفي، ثقة من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خرج رجل من بني سهم‏)‏ هو بديل بن أبي مريم، المذكور في الحديث المتقدم ‏(‏مع تميم الدارمي‏)‏ يعني قبل أن يسلم هو كما تقدم، وعلى هذا فهو من مرسل الصحابي، لأن ابن عباس لم يحضر هذه القصة وفي الرواية المتقدمة أنه رواها عن تميم نفسه‏.‏ ويحتمل أن تكون القصة وقعت قبل الإسلام ثم تأخرت المحاكمة حتى أسلموا كلهم، فإن في القصة ما يشعر بأن الجميع تحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلعلها كانت بمكة سنة الفتح ‏(‏مخوصاً‏)‏ بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والواو المشددة وفي آخر وصاد مهملة‏.‏ قال ابن الجوزي‏:‏ صيغت فيه صفائح مثل الخوص من الذهب معناه منقوشاً فيه خطوط دقاق طوال كالخوص وهو ورق النخل ‏(‏من أولياء السهمي‏)‏ أي من أولياء السهمي المذكور الذي مات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود في القضايا، وأخرجه البخاري في صحيحه فقال‏:‏ وقال لي علي بن عبد الله‏:‏ يعني ابن المديني فذكره، قال الحافظ‏:‏ أخرجه المصنف يعني البخاري في التاريخ فقال حدثنا علي بن المديني وهذا مما يقوي ما قررته غير مرة من أنه يعبر بقوله وقال لي في الأحاديث التي سمعها، لكن حيث يكون في إسنادها عنده نظر أو حيث تكون موقوفة وأما من زعم أنه يعبر بها فيما أخذه في المذاكرة أو بالمناولة فليس عليه دليل‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الحسن بن قزعة‏)‏ بفتح قاف وسكون زاي وفتحها وبعين مهملة‏:‏ ابن عبيد الهاشمي أبو علي البصري صدوق من العاشرة ‏(‏أخبرنا سفيان بن حبيب البصري البزاز أبو محمد‏)‏، وقيل غير ذلك ثقة من التاسعة ‏(‏حدثنا سعيد‏)‏ هو ابن أبي عروبة ‏(‏عن خلاس بن عمرو‏)‏ بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام ثقة، وقد صح أنه سمع من عمار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنزلت المائدة‏)‏ قال الراغب‏:‏ المائدة الطبق الذي عليه الطعام ويقال لكل منهما مائدة، أي على الحقيقة المشتركة أو على أحدهما مجازاً باعتبار المجاورة أو بذكر المحل وإرادة الحال ‏(‏خبزاً ولحماً‏)‏ تمييز ‏(‏وأمروا‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏ولا يدخروا‏)‏ بتشديد الدال المهملة المبدلة من الذال المعجمة من باب الافتعال من الذخيرة وهو التخبية ‏(‏لغد‏)‏ أي ليوم عقب يوم نزول المائدة أو لوقت مستقبل بعده ‏(‏فمسخوا‏)‏ أي فغير الله صورهم الإنسانية بعد تغيير سيرتهم الإنسية ‏(‏قردة وخنازير‏)‏ منصوبان على أنهما مفعول ثان على ما يستفاد من القاموس حيث قال مسخه كمنعه حول صورته إلى أخرى أقبح ومسخه الله قرداً فهو مسخ ومسيخ‏.‏ وقال الطيبي حالان مقدرتان كقوله تعالى ‏{‏وتنحتون من الجبال بيوتاً‏}‏ قيل الظاهر أن شبابهم مسخوا قردة وشيوخهم خنازير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير ‏(‏رواه أبو عاصم‏)‏ اسمه الضحاك بن مخلد النبيل‏.‏

تنبيه‏:‏

ذكر الترمذي حديث عمار المذكور في تفسير قوله تعالى ‏{‏قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين‏}‏‏.‏

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد ذكر عدة آثار عن ابن عباس وغيره رضي الله عنهم ما لفظه‏:‏ وكل هذه الآثار دالة على أن المائدة نزلت على بني إسرائيل أيام عيسى ابن مريم إجابة من الله لدعوته، وكما دل على ذلك ظاهر هذا السياق من القرآن العظيم‏.‏ قال الله إني منزلها عليكم الاَية‏.‏

وقال قائلون‏:‏ إنها لم تنزل فروى ليث بن أبي سليم عن مجاهد في قوله ‏(‏أنزل علينا مائدة من السماء‏)‏ قال هو مثل ضربه الله ولم ينزل شيء رواه ابن أبي حاتم وابن جرير‏.‏ وقال حدثنا ابن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن منصور بن زاذان عن الحسن أنه قال في المائدة إنها لم تنزل، وهذه أسانيد صحيحة إلى مجاهد والحسن‏.‏ وقد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا تعرفه النصارى وليس هو في كتابهم، ولو كانت قد نزلت لكان ذلك مما يتوفر الدواعي على نقله وكان يكون موجوداً في كتابهم متواتراً، ولا أقل من الاَحاد، ولكن الجمهور على أنها نزلت، وهو الذي اختاره ابن جرير قال لأن الله تعالى أخبر نزولها في قوله تعالى ‏{‏إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين‏}‏ قال ووعد الله ووعيده حق وصدق، وهذا القول والله أعلم هو الصواب كما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف وغيرهم‏:‏ انتهى كلامه باختصار يسير‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يلقى عيسى حجته‏)‏ أي يعلم وينبه عليها ‏{‏وإذ قال الله يا عيسى بن مريم‏}‏ اختلف المفسرون في وقت هذا القول، فقال السدي، قال الله يا عيسى هذا القول حين رفعه إلى السماء بدليل أن حرف إذ يكون للماضي‏.‏ وقال سائر المفسرين‏:‏ إنما يقول الله له هذا القول يوم القيامة بدليل قوله ‏{‏يوم يجمع الله الرسل‏}‏ وذلك يوم القيامة وبدليل قوله ‏{‏هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم‏}‏ وذلك يوم القيامة‏.‏ وأجيب عن حرف إذ، بأنها قد تجيء بمعنى إذا كقوله ‏{‏لو ترى إذ فزعوا‏}‏ يعني إذا فزعوا وقال الراجز‏:‏

ثم جزاك الله عني إذ جزىجنات عدن في السموات العلى

‏{‏أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله‏}‏ استفهام ومعناه الإنكار والتوبيخ لمن ادعى ذلك على عيسى عليه السلام من النصارى، لأن عيسى عليه السلام لم يقل هذه المقالة، فإن قلت‏:‏ إذا كان عيسى عليه السلام لم يقلها فما وجه هذا السؤال له مع علمه بأنه لم يقله‏؟‏

قلت‏:‏ وجه هذا السؤال تثبيت الحجة على قومه وإكذاب لهم في إدعائهم ذلك عليه وأنه أمرهم به فهو كما يقول القائل الاَخر، أفعلت كذا وهو يعلم أنه لم يفعله وإنما أراد تعظيم ذلك الفعل فنفى عن نفسه هذه المقالة وقال‏:‏ ‏{‏ما قلت لهم إلا ما أمرتني به، أن أعبدوا الله ربي وربكم‏}‏ فاعترف بالعبودية وأنه ليس بإله كما زعمت وادعت فيه النصاري‏.‏

‏(‏قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي قال رواية عنه صلى الله عليه وسلم وسلم ‏(‏فلقاه الله‏)‏ أي علمه الله ‏{‏سبحانك‏}‏ أي تنزيهاً لك عما لا يليق بك من الشريك وغيره ‏{‏ما يكون لي‏}‏ أي ما ينبغي لي ‏{‏أن أقول ما ليس لي بحق‏}‏ أي أن أقول قولاً لا يحق لي أن أقول ‏(‏الاَية كلها‏)‏ بالنصب أي أتمها كلها وبقية الاَية مع تفسيرها هكذا ‏{‏إن كنت قلته فقد علمته‏}‏ أي إن صح أني قلته فيما مضى فقد علمته‏.‏ والمعنى أني لا احتاج إلى الإعتذار لأنك تعلم أني لم أقله ولو قلته علمته، ‏{‏لأنك تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك‏}‏‏.‏ أي تعلم ما أخفيه في نفسي ولا أعلم ما تخفيه من معلوماتك إنك أنت علام الغيوب، تقرير للجملتين معاً لأن ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب ولأن ما يعلم علام الغيوب لا ينتهي إليه علم أحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن أبي حاتم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن حيى‏)‏ بضم الحاء المهملة وياءين من تحت الأولى مفتوحة هو ابن عبد الله بن شريح المعافري المصري، صدوق يهم من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آخر سورة أنزلت سورة المائدة والفتح‏)‏ قال السيوطي في الإتقان يعني إذا جاء نصر الله ويدل على ذلك قول ابن عباس الاَتي آخر سورة أنزلت ‏{‏إذا جاء نصر الله والفتح‏}‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ ما وجه التوفيق بين حديث عبد الله بن عمرو هذا وبين ما رواه الشيخان عن البراء بن عازب قال‏:‏ آخر آية نزلت ‏{‏يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة‏}‏، وآخر سورة نزلت براءة‏.‏

قلت‏:‏ قال البيهقي يجمع بين هذه الاختلافات بأن كل واحد أجاب بما عنده‏.‏

وقال القاضي أبو بكر في الانتصار‏:‏ هذه الأقوال ليس فيها شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكل قاله بضرب من الاجتهاد وغلبة الظن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الحاكم ‏(‏وقد روي عن ابن عباس أنه قال الخ‏)‏ وصله مسلم‏.‏

1812- باب وَمِنْ سُورةِ الأنعام

هي مكية إلا ست آيات نزلت بالمدينة هي‏:‏ ‏{‏وما قدروا الله حق قدره‏}‏ إلى آخر ثلاث آيات ‏{‏قل تعالوا أتل ما حرم عليكم ربكم‏}‏ إلى آخر ثلاث آيات وهي مائة وخمس أو ست وستون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3162- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ أخبرنا مُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ، عن سُفْيَانَ عن أبي إِسْحَاقَ، عن نَاجِيَةَ بنِ كَعْبٍ، عن عَلِي أَنّ أَبَا جَهْلٍ قال لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إِنّا لا نُكَذّبُكَ وَلَكِنْ نكَذّبُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، فأَنْزَلَ الله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنّهُمْ لا يُكَذّبُونَكَ وَلَكِنّ الظّالِمِينَ بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ‏}‏‏.‏

3163- حدثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا عبدُ الرّحمَنِ بنُ مَهْدِيّ عن سُفْيَانَ عن أبي إسْحَاقَ عن نَاجِيَةَ، أَنّ أَبَا جَهْلٍ قال لِلنّبيّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عن عَلِيّ، وهذا أَصَحّ‏.‏

3164- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبدِ الله يقولُ‏:‏ ‏"‏لَمّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ‏:‏ ‏{‏قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرجُلِكُمْ‏}‏، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَعُوذُ بِوَجْهِكَ‏"‏، فَلَمّا نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ‏}‏ قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ هَاتَانَ أَهْونُ، أَوْ هَاتَانِ أَيْسَرُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3165- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، عن إسماعِيلَ بنِ عَيّاشٍ، عن أبي بَكْرٍ بنِ أبي مَرْيَمَ الْغَسّانيّ عن رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ عن سَعْدِ بنِ أبي وَقّاصٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في هَذِهِ الاَيَةِ‏:‏ ‏{‏قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ‏}‏، فقالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَمَا إِنّها كَائِنَةٌ وَلَمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ ذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

3166- حدثنا عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ، أخبرنا عَيِسَى بنُ يُونُسَ، عن الأعمَشِ، عن إِبراهِيمَ، عن عَلْقَمَةَ، عن عبدِ الله قال‏:‏ ‏"‏لَمّا نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏الّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ‏}‏ شَقّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ الله وَأَيّنَا لا يَظْلِمُ نَفْسَهُ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لَيْسَ ذَلِكَ، إِنّمَا هو الشّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ‏:‏ ‏{‏يَا بُنَيّ لا تُشْرِكْ بِالله إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3167- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ أخبرنا إسْحَاقُ بنُ يُوسُفَ الأزْرَقُ، أخبرنا دَاوُدُ ابنُ أبي هِنْدٍ، عن الشّعْبِيّ عن مَسْرُوقٍ قال‏:‏ ‏"‏كُنْتُ مُتّكِئاً عِنْدَ عائِشَةَ، فقالَتْ‏:‏ يَا أَبَا عائِشَةَ، ثَلاَثٌ مَنْ تَكَلّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنّ فَقَدْ أعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى الله‏:‏ مَنْ زَعَمَ أَنّ مُحمّداً رَأَى رَبّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ الِفِرْيَةَ عَلَى الله، والله يقولُ‏:‏ ‏{‏لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ‏}‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلّمَهُ الله إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ‏}‏ وَكُنْتَ مُتّكِئاً فَجَلَسْتُ فَقلت‏:‏ يَا أُمّ المُؤْمِنِينَ، انْظِرِينِي ولا تُعْجِلِينِي، أَلَيْسَ الله تَعَالَى يقولُ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى‏}‏ ‏{‏وَلَقَدْ رَآهُ بالاْفُقِ المُبِينِ‏}‏ قالَتْ‏:‏ أَنَا والله أَوّلُ مَنْ سَأَلَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ هَذَا، قال‏:‏ ‏"‏إِنّمَا ذَلِكَ جِبْرِيلُ، مَا رَأَيْتُهُ في الصّورَةِ الّتِي خُلِقَ فِيهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ المَرّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطاً مِنَ السّمَاءِ سَادّاً عُظْمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالأرْضِ‏"‏، وَمَنْ زَعَمَ أَنّ مُحمّداً كَتَمَ شَيْئاً مِمّا أَنْزَلَ الله عَلَيْهِ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى الله، يقولُ الله‏:‏ ‏{‏يَا أيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبّكَ‏}‏، وَمَنْ زَعَمَ أَنّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى الله، والله يقولُ‏:‏ ‏{‏قُل لا يَعْلَمُ مَنْ في السّماوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ الله‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَمَسْرُوقُ بنُ الأجْدَعِ يُكْنَى أبا عَائِشَةَ وهو مسروقُ بن عبدِ الرحمنِ، وكذا كان اسمه في الديوان‏.‏

3168- حدثنا مُحمّدُ بنُ مُوسَى الْبَصْرِيّ الْحَرَشِيّ، أخبرنا زِيَادُ بنُ عبدِ الله الْبَكّائِيّ، أخبرنا عَطَاءُ بنُ السّائِبِ، عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن عبدِ الله بنِ عَبّاسٍ قال‏:‏ ‏"‏أَتَى نَاسٌ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ يَا رَسُولَ الله أَنَأْكُلُ مَا نَقْتُلُ ولا نَأْكُلُ مَا يَقْتُلُ الله‏؟‏ فأَنْزَلَ الله‏:‏ ‏{‏فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِين إِلَى قَوْلِهِ- وَإِنْ أطَعْتُمُوهُمْ إِنّكُمْ لَمُشْرِكُونَ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وقد رُوِيَ هذا الحديثُ من غيرِ هذا الْوَجْهِ عن ابنِ عَبّاسٍ أيْضاً، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً‏.‏

3169- حدثنا الْفَضْلُ بنُ الصّبّاحِ الْبَغْدَادِيّ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ فُضَيْلٍ عن دَاوُدَ الأوْدِيّ عن الشّعْبِيّ عن عَلْقَمَةَ عن عبدِ الله قال‏:‏ ‏"‏مَنْ سَرّهُ أَنْ يَنْظُرَ الَى الصّحِيفَةِ الّتِي عَلَيْهَا خَاتَمُ مُحمّدٍ صلى الله عليه وسلم فَلْيَقْرَأْ هَؤُلاَءِ الاَيَاتِ‏:‏ ‏{‏قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرّمَ رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ‏}‏ الاَية إِلَى قَوْلِه- ‏{‏لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

3170- حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، أخبرنا أبي عن ابنِ أبي لَيْلَى عن عَطِيّةَ عن أبي سَعِيدٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قَوْلِ الله عز وجل‏:‏ ‏{‏أَوْ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبّكَ‏}‏ قال‏:‏ طُلُوعُ الشّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ ولم يَرْفَعْهُ‏.‏

3171- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، عن فُضَيْلِ بنِ غَزَوَانَ، عن أبي حَازِمٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ثَلاَثٌ إذَا خَرَجْنَ ‏{‏لَمْ يَنْفَعْ نَفْساً إيْمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ‏}‏ الاَيَةِ‏.‏‏.‏‏.‏ الدّجّالُ وَالدّابّةُ وَطُلُوعُ الشّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أوْ مِنْ المَغْرِبِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3172- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي الزّنَادِ، عن الأعْرَجِ، عن أبي هُرَيْرَةَ، أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏قال الله عز وجل وَقَوْلُهُ الْحَقّ‏:‏ إذَا هَمّ عَبْدِي بِحَسَنَةٍ فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَإِذَا هَمّ بِسَيّئَةٍ فَلاَ تَكْتُبُوهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا، وَرُبّمَا قال‏:‏ فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا، فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، ثُمّ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏مَنْ جَاءَ بالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن ناجية بن كعب‏)‏ الأسدي ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنا لا نكذبك بل نكذب بما جئت به‏)‏ أي لا نكذبك لأنك صادق ولكن نحسدك فبسببه نجحد بآيات الله‏:‏ كذا في المجمع، فأنزل الله تعالى ‏{‏فإنهم لا يكذبونك‏}‏ وقبله ‏{‏قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون‏}‏ قال في تفسير الجلالين قد للتحقيق، نعلم أنه‏:‏ أي الشأن ليحزنك الذي يقولون لك من التكذيب فإنهم لا يكذبونك في السر لعلمهم أنك صادق، وفي قراءة بالتخفيف، أي لا ينسبونك إلى الكذب ‏{‏ولكن الظالمين‏}‏ وضعه موضع الضمير ‏{‏بآيات الله‏}‏ أي القرآن، ‏{‏يجحدون‏}‏ يكذبون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا أصح‏)‏ أي الإسناد الثاني بترك ذكر على أصح من الإسناد الأول‏.‏ وحديث علي هذا أخرجه الحاكم أيضاً‏.‏ وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏{‏عذاباً من فوقكم‏}‏ أي من السماء كالحجارة والصيحة ‏{‏أو من تحت أرجلكم‏}‏ كالخسف والرجفة‏.‏ ‏(‏أعوذ بوجهك‏)‏ وفي رواية‏:‏ أعوذ بوجهك الكريم‏.‏ فلما نزلت ‏{‏يلبسكم شيعاً‏}‏ أي يخلطكم فرقاً مختلفة الأهواء ‏{‏ويذيق بعضكم بأس بعض‏}‏ أي بالقتال ‏(‏هاتان‏)‏ أي خصلة الالتباس وخصلة إذاقة بعضهم بأس بعض ‏(‏أهون‏)‏ من بعث العذاب من الفوق أو من التحت ‏(‏أو هاتان أيسر‏)‏ شك من الراوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري والنسائي وابن حبان وابن جرير وابن مردويه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن راشد بن سعد‏)‏ المقرئ بفتح الميم وسكون القاف وفتح الراء بعدها همزة ثم ياء النسب الحمصي، ثقة كثير الإرسال من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أما‏)‏ بالتخفيف حرف التنبيه ‏(‏إنها‏)‏ أي الخصلة المذكورة من بعث العذاب من الفوق أو التحت ‏(‏كائنة‏)‏ واقعة فيما بعد ‏(‏ولم يأت تأويلها‏)‏ أي عاقبة ما فيها من الوعيد ‏(‏بعد‏)‏ بالبناء على الضم يعني إلى الاَن‏.‏

فإن قيل هذا الحديث صريح في أن الرجم والخسف كائنان في هذه الأمة، وحديث جابر المذكور يستفاد منه أنهما لا يقعان لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ منهما‏.‏ وقد روى ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏دعوت الله أن يرفع عن أمتي أربعاً، فرفع عنهم ثنتين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين، دعوت الله أن يرفع عنهم الرجم من السماء والخسف من الأرض وأن لا يلبسهم شيعاً ولا يذيق بعضهم بأس بعض فرفع الله عنهم الخسف والرجم، وأبي أن يرفع عنهم الأخريين‏"‏، فما وجه التوفيق‏.‏

يقال‏:‏ إن الإعاذة المذكورة في حديث جابر وغيره مقيدة بزمان مخصوص وهو وجود الصحابة والقرون الفاضلة، وأما بعد ذلك فيجوز وقوع ذلك فيهم ويحتمل في طريق الجمع أن يكون المراد أن ذلك لا يقع لجميعهم وإن وقع لأفراد منهم غير مقيدة بزمان كما في خصلة العدو الكافر والسنة العامة، فإنه ثبت في صحيح مسلم من حديث ثوبان رفعه في حديث‏:‏ ‏"‏إن الله زوى لي مشارق الأرض ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها الحديث وفيه‏:‏ وإني سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة عامة وأن لا يسلط عليهم عدواً من غير أنفسهم وأن لا يلبسهم شيعاً ويذيق بعضهم بأس بعض فقال يا محمد‏:‏ إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدواً من غيرهم يستبيح بيضتهم حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً‏"‏‏.‏ وأخرج الطبري من حديث شداد نحوه بإسناد صحيح، فلما كان تسليط العدو الكافر قد يقع على بعض المؤمنين لكنه لا يقع عموماً فكذلك الخسف والقذف، هذا تلخيص ما في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن إبراهيم‏)‏ هو النخعي ‏(‏عن علقمة‏)‏ هو ابن قيس ‏(‏عن عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما نزلت‏)‏ بالتأنيث لكون ما بعده من فاعله آية، والتقدير لما أنزلت آية ‏{‏الذين آمنوا ولم يلبسوا‏}‏ بكسر الموحدة، أي لم يخلطوا، تقول لبست الأمر بالتخفيف ألبسه بالفتح في الماضي والكسر في المستقبل، أي خالطته‏.‏ وتقول لبست الثوب ألبسه بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل والمصدر من الأول لبس بفتح اللام، ومن الثاني لبس بالضم ‏{‏إيمانهم بظلم‏}‏ أي لم يخلطوه بالشرك‏.‏ قال محمد بن إسماعيل التيمي في شرحه‏:‏ خلط الإيمان بالشرك لا يتصور، فالمراد أنهم لم تحصل لهم الصفتان‏:‏ كفر متأخر عن إيمان متقدم أي لم يرتدوا أو يحتمل أن يراد أنهم لم يجمعوا بينهما ظاهراً أو باطناً، أي لم ينافقوا، وهذا أوجه كذا في الفتح ‏(‏شق ذلك على المسلمين‏)‏ أي الصحابة رضي الله عنهم، ظناً منهم أن المراد بالظلم مطلق المعاصي كما يتبادر إلى الفهم لا سيما من التنكير الذي يفيد العموم ‏(‏وأينا‏)‏ كلام إضاف مبتدأ وقوله ‏(‏لا يظلم نفسه‏)‏ خبره ‏(‏قال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ليس ذلك‏)‏ أي ليس معناه كما فهمتم ‏(‏إنما هو‏)‏ أي الظلم ‏(‏الشرك‏)‏ ففي التنكير إشارة إلى أن المراد أي نوع من الكفر أو أريد به التعظيم أي بظلم عظيم ‏(‏ألم تسمعوا ما قاله لقمان لابنه إلخ‏)‏ ظاهر هذا أن الاَية التي في لقمان كانت معلومة عندهم ولذلك نبههم عليها، ووقع في رواية للبخاري فأنزل الله عز وجل ‏{‏إن الشرك لظلم عظيم‏}‏‏.‏

قال الحافظ‏:‏ يحتمل أن يكون نزولها وقع في الحال فتلاها عليهم ثم نبههم فتلتئم الروايتان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏فقالت يا أبا عائشة‏)‏ هو كنية مسروق ‏(‏ثلاث‏)‏ أي ثلاث كلمات ‏(‏فقد أعظم الفرية‏)‏ بكسر الفاء وسكون الراء، أي الكذب، يقال فرى الشيء يفريه فرياً، وافتراه يفتريه افتراء‏:‏ إذا اختلفه، وجمع الفرية فرى ‏(‏من زعم أن محمداً رأى ربه أي ليلة الإسراء فقد أعظم الفرية على الله‏)‏ هذا هو مذهب عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير الله سبحانه وتعالى ليلة الإسراء‏.‏

قال الحافظ‏:‏ قد اختلف السلف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه، فذهبت عائشة وابن مسعود إلى إنكارها واختلف عن أبي ذر، وذهب جماعة إلى إثباتها وحكى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن أنه حلف أن محمداً رأى ربه‏.‏ وأخرج ابن خزيمة عن عروة بن الزبير إثباتها وكان يشتد عليه إذا ذكر له إنكار عائشة وبه قال سائر أصحاب ابن عباس، وجزم به كعب الأخبار والزهري وصاحبه معمر وآخرون وهو قول الأشعري وغالب أتباعه ثم اختلفوا‏.‏ هل رآه بعينه أو بقلبه‏؟‏ وعن أحمد كالقولين‏.‏

قال الحافظ‏:‏ جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة، فيجب حمل مطلقها على مقيدها فمن ذلك ما أخرجه النسائي بإسناد صحيح وصححه الحاكم أيضاً من طريق عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد‏.‏ وأخرجه ابن خزيمة بلفظ‏:‏ إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة الحديث‏.‏ وأخرج ابن إسحاق من طريق عبد الله بن أبي سلمة أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس‏:‏ هل رأى محمد ربه، فأرسل إليه أن نعم‏.‏ ومنها ما أخرجه مسلم من طريق أبي العالية عن ابن عباس في قوله تعالى ‏{‏ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى‏}‏ قال رأى ربه بفؤاده مرتين، وله من طريق عطاء عن ابن عباس قال‏:‏ رآه بقلبه‏.‏ وأصرح من ذلك ما أخرجه ابن مردويه من طريق عطاء أيضاً عن ابن عباس قال‏:‏ لم يره رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه إنما رآه بقلبه‏.‏

وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب، ثم المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب لا مجرد حصول العلم لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالماً بالله على الدوام بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه كما يخلق الرؤية بالعين لغيره، والرؤية لا يشترط لها شيء مخصوص عقلاً ولا جرت العادة بخلقها في العين‏.‏

وروى ابن خزيمة بإسناد قوي عن أنس قال‏:‏ رأى محمد ربه‏.‏ وعند مسلم من حديث أبي ذر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال‏:‏ ‏{‏نور أني أراه‏}‏، ولأحمد عنه قال‏:‏ ‏{‏رأيت نوراً‏}‏، ولابن خزيمة عنه قال‏:‏ رآه بقلبه ولم يره بعينه‏.‏ وبهذا يتبين مراد أبي ذر بذكره النور، أي أن النور حال بين رؤيته له ببصره وقد رجح القرطبي في المفهم قول الوقف في هذه المسألة وعزاه لجماعة من المحققين وقواه بأنه ليس في الباب دليل قاطع‏.‏ وغاية ما استدل به للطائفتين ظواهر متعارضة قابلة للتأويل، قال‏:‏ وليست المسألة من العمليات فيكتفي فيها بالأدلة الظنية وإنما هي من المعتقدات فلا يكتفي فيها إلا بالدليل القطعي، وجنح ابن خزيمة في كتاب التوحيد إلى ترجيح الإثبات وأطنب في الاستدلال له بما يطول ذكره، وحمل ما ورد عن ابن عباس على أن الرؤيا وقعت مرتين‏:‏ مرة بقلبه، وفيما أوردته من ذلك مقنع، وممن أثبت الرؤية لنبينا صلى الله عليه وسلم الإمام أحمد، فروى الخلال في كتاب السنة عن المروزي‏.‏

قلت لأحمد‏:‏ إنهم يقولون إن عائشة قالت من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، فبأي شيء يدفع قولها بقول النبي صلى الله عليه وسلم رأيت ربي قول النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ أكبر من قولها‏.‏ وقد أنكر صاحب الهدى على من زعم أن أحمد قال رأى ربه بعيني رأسه قال وإنما قال‏:‏ مرة رأى محمد ربه، وقال مرة بفؤاده، وحكى عنه بعض المتأخرين رآه بعيني رأسه، وهذا من تصرف الحاكي فإن نصوصه موجودة انتهى كلام الحافظ‏.‏ والله يقول‏:‏ ‏{‏لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير‏}‏ وجه الاستدلال بها أن الله عز وجل نفى أن تدركه الأبصار، وعدم الإدراك يقتضي نفي الرؤية، وأجاب مثبتو الرؤية بأن المراد بالإدراك الإحاطة وهم يقولون بهذا أيضاً وعدم الإحاطة لا يستلزم نفي الرؤية‏.‏ وقال النووي‏:‏ لم تنف عائشة الرؤية بحديث مرفوع ولو كان معها فيه حديث لذكرته وإنما اعتمدت الاستنباط على ما ذكرت من ظاهر الاَية، وقد خالفها غيرها من الصحابة، والصحابي إذا قال قولاً وخالفه غيره منهم لم يكن ذلك القول حجة اتفاقاً‏.‏

قال الحافظ‏:‏ جزم النووي بأن عائشة لم تنف الرؤية بحديث مرفوع عجيب فقد ثبت ذلك عنها في صحيح مسلم الذي شرحه الشيخ فعنده من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق، قال مسروق‏:‏ وكنت متكئاً فجلست فقلت‏:‏ ألم يقل الله ‏{‏ولقد رآه نزلة أخرى‏}‏ فقالت‏:‏ أنا أول هذه الأمة‏.‏ سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال‏:‏ ‏"‏إنما هو جبريل‏"‏‏.‏ وأخرجه ابن مردويه من طريق أخرى عن داود بهذا الإسناد، فقالت‏:‏ أنا أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا فقلت يا رسول الله، هل رأيت ربك‏؟‏ فقال‏:‏ لا إنما رأيت جبريل منهبطاً ‏{‏وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب‏}‏ تمام الاَية‏:‏ ‏{‏أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه على حكيم‏}‏ ووجه الاستدلال بها أن الله تعالى حصر تكليمه لغيره في ثلاثة أوجه‏:‏ وهي الوحي بأن يلقى في روعه ما يشاء أو يكلمه بغير واسطة من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيبلغه عنه فيستلزم ذلك انتفاء الرؤية عنه حالة التكلم، وأجابوا عنه بأن ذلك لا يستلزم نفي الرؤية مطلقاً وغاية ما يقتضي نفي تكليم الله على غيره الأحوال الثلاثة‏.‏ فيجوز أن التكليم لم يقع حالة الرؤية ‏(‏أنظريني‏)‏ من الإنظار، أي أمهليني ‏(‏لا تعجليني‏)‏ أي لا تسبقيني‏.‏ قال في القاموس‏:‏ أعجله سبقه كاستعجله وعجله ‏{‏ولقد رآه نزلة أخرى‏}‏، ‏{‏ولقد رآه بالأفق المبين‏}‏ ظن مسروق أن الضمير المنصوب في قوله ‏(‏ولقد رآه‏)‏ في هاتين الاَيتين راجع إلى الله سبحانه وتعالى فاعترض على عائشة رضي الله عنها ‏(‏قال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏إنما ذلك جبريل‏)‏ أي هذا المرئي هو جبريل لا الله سبحانه وتعالى ‏(‏غير هاتين المرتين‏)‏ أي مرة في الأرض بالأفق الأعلى، ومرة في السماء عند سدرة المنتهي ‏(‏ساداً‏)‏ بتشديد الدال المهملة أي مالئاً ‏(‏عظم خلقه‏)‏ بالرفع فاعل ساداً والعظم بضم العين وسكون الظاء، وبكسر العين وفتح الظاء‏:‏ وهو ضد الصغر ‏(‏ومن زعم أن محمداً كتم شيئاً مما أنزل الله الخ‏)‏ هذا هو الثاني من الثلاث المذكورة ‏(‏ومن زعم أنه يعلم ما في غد الخ‏)‏ هذا هو الثالث من الثلاث المذكورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏الحرشي‏)‏ بفتح المهملة والراء ثم شين معجمة ‏(‏البكائي‏)‏ بفتح الموحدة وتشديد الكاف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتى ناس‏)‏ وفي رواية أبي داود قال‏:‏ جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا إنا نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله الخ، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد ذكر رواية أبي داود هذه ما لفظه‏:‏ وهذا فيه نظر من وجوه ثلاثة‏:‏ أحدها أن اليهود لا يرون إباحة الميتة حتى يجادلوا‏.‏ الثاني أن الاَية من الأنعام وهي مكية‏.‏ الثالث أن هذا الحديث رواه الترمذي بلفظ أتى ناس النبي صلى الله عليه وسلم وقال حسن غريب، تم ذكر رواية الطبراني عن ابن عباس قال‏:‏ لما نزلت ‏{‏ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه‏}‏ أرسلت فارس إلى قريش أن خاصموا محمداً وقولوا له لما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال وما ذبح الله عز وجل بشمشير من ذهب يعني الميتة فهو حرام فنزلت هذه الاَية ‏{‏وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون‏}‏ أي وإن الشياطين من فارس ليوحون إلى أوليائهم من قريش‏.‏

ثم قال وروى ابن جرير من طرق متعددة عن ابن عباس وليس فيه ذكر اليهود فهذا هو المحفوظ لأن الاَية مكية واليهود لا يحبون الميتة انتهى ‏(‏أنأكل ما نقتل‏)‏ أي نذبح ‏(‏ولا نأكل ما يقتل الله‏)‏ يعنون الميتة ‏{‏فكلوا مما ذكر اسم الله عليه‏}‏ أي ما ذبح على اسمه لا ما ذبح على اسم غيره أو مات حتف أنفه‏.‏ قال الخازن‏:‏ هذا جواب لقول المشركين حيث قالوا للمسلمين أتأكلون مما قتلتم ولا تأكلون مما قتل ربكم‏.‏ فقال الله تعالى للمسلمين فكلوا أنتم مما ذكر اسم الله عليه من الذبائح‏.‏ وعند ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال‏:‏ يوحي الشيطان إلى أوليائهم من المشركين أن يقولوا‏:‏ تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله‏.‏ فقال إن الذي قتلتم يذكر اسم الله عليه وإن الذي مات لم يذكر اسم الله عليه ‏{‏إن كنتم بآياته مؤمنين‏}‏ فإن الإيمان بها يقتضي استباحة ما أحل الله واجتناب ما حرمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود، قال المنذري بعد ذكر تحسين الترمذي عطاء بن السائب‏:‏ اختلفوا في الاحتجاج بحديثه وأخرج له البخاري مقروناً بأبي بشر جعفر بن أبي وحشية وفي إسناده عمران بن عيينة أخو سفيان بن عيينة، قال أبو حاتم الرازي‏:‏ لا يحتج بحديثه فإنه يأتي بالمناكير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه عن ابن عباس أيضاً‏)‏ رواه أبو داود وابن ماجه وابن أبي حاتم وغيرهم وصحح الحافظ ابن كثير إسناده ‏(‏ورواه بعضهم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً‏)‏ رواه ابن أبي حاتم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن داود الأودي‏)‏ الظاهر أن داود هذا هو داود بن عبد الله الأودي الزعافري، بالزاي والمهملة وبالفاء، أو العلاء الكوفي ثقة من السادسة وهو غيرهم عبد الله بن إدريس ‏(‏عن عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من سره أن ينظر إلى الصحيفة التي عليها خاتم محمد صلى الله عليه وسلم فليقرأ هؤلاء الاَيات‏)‏ كناية عن أن هذه الاَيات محكمات غير منسوخات‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ هذه الاَيات محكمات في جميع الكتب لم ينسخهن شيء وهن محرمات على بني آدم كلهم وهن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار ذكره الخازن، وروى نحوه الحاكم في المستدرك ‏{‏قل‏}‏ يا محمد ‏{‏تعالوا‏}‏ أي هلموا وأقبلوا ‏{‏أتل ما حرم ربكم عليكم‏}‏ أي أقرأ وأقص عليكم وأخبركم بما حرم ربكم عليكم حقاً لا تخرصاً ولا ظناً بل وحياً منه وأمراً من عنده، وبقية الاَيات مع تفسيرها هكذا ‏{‏أن لا تشركوا به شيئاً‏}‏ كأن في الكلام محذوفاً دل عليه السياق وتقديره‏:‏ وأوصاكم أن لا تشكركوا به شيئاً‏.‏ ولهذا قال في آخر الاَية ‏{‏ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون‏}‏ وقال النيسابوري في تفسيره‏:‏ فإن قيل قوله ‏{‏أن لا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً‏}‏ كالتفصيل لما أجمله في قوله ما حرم فيلزم أن يكون ترك الشرك والإحسان إلى الوالدين محرماً، فالجواب أن المراد من التحريم البيان المضبوط أو الكلام تم عند قوله ‏{‏ما حرم ربكم‏}‏ ثم ابتدأ فقال‏:‏ عليكم أن لا تشركوا أو أن مفسرة أي ذلك التحريم هو قوله لا تشركوا وهذا في النواهي واضح وأما الأوامر فيعلم بالقرينة أن التحريم راجع إلى أضدادها وهي الإساءة إلى الوالدين وبخس الكيل والميزان وترك العدل في القول ونكث عهد الله، ولا يجوز أن يجعل ناصبة وإلا لزم عطف الطلب أعني الأمر على الخبر انتهى ‏{‏وبالوالدين إحساناً‏}‏ أي أوصاكم وأمركم بالوالدين إحساناً ‏{‏ولا تقتلوا أولادكم‏}‏ بالوأد ‏{‏من إملاق‏}‏ أي من أجل فقر تخافونه وذلك أنهم كانوا يقتلون البنات خشية العار وربما قتلوا بعض الذكور خشية الافتقار ‏{‏نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش‏}‏ أي الكبائر كالزنا ما ظهر منها وما بطن أي علانيتها وسرها ‏{‏ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق‏}‏ إنما أفرده بالذكر تعظيماً لأمر القتل وأنه من أعظم الفواحش والكبائر، وقيل إنما أفرده بالذكر لأنه تعالى أراد أن يستثنى منه ولا يمكن ذلك الاستثناء من جملة الفواحش إلا بالإفراد فلذلك قال‏:‏ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق‏.‏ كالقود وحد الردة ورجم المحصن ذلكم أي المذكور ‏{‏وصاكم به‏}‏ يعني أمركم به وأوجبه عليكم، ‏{‏لعلكم تعلقون‏}‏ أي لكي تفهموا وتتدبروا ما في هذه التكاليف من الفوائد والمنافع تعلموا بها ‏{‏ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي‏}‏ أي بالخصلة التي ‏{‏هي أحسن‏}‏ وهي ما فيه صلاحه وتثميره وتحصيل الربح له ‏{‏حتى يبلغ أشده‏}‏ بأن يحتمل‏.‏

قال في القاموس‏:‏ حتى يبلغ أشده ويضم أوله أي قوته وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين واحد جاء على بناء الجمع كأنك ولا نظير لهما أو جمع لا واحد له من لفظه أو واحده شدة بالكسر مع أن فعلة لا تجمع على أفعل أو شد لكلب وأكلب أو شد كذئب وأذؤب وما هما بمسموعين بل قياس انتهى‏.‏ واختلف المفسرون في تفسير الأشد، فقيل عشرون سنة وقيل ثلاثون سنة وقيل ثلاث وثلاثون سنة‏.‏ قال الخازن هذه الأقوال التي نقلت عن المفسرين في هذه الاَية إنما هي نهاية الأشد لا ابتداؤه والمراد بالأشد في هذه الاَية هي ابتداء بلوغ الحلم مع إيناس الرشد وهذا هو المختار في هذه الاَية ‏{‏وأوفوا الكيل والميزان بالقسط‏}‏ أي بالعدل وترك البخس ‏{‏لا تكلف نفساً إلا وسعها‏}‏ أي طاقتها وما يسعها في إيفاء الكيل والميزان وإتمامه يعني من اجتهد في أداء الحق وأخذه فإن أخطأ بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه ‏{‏وإذا قلتم‏}‏ فيحكم ألأ غيره ‏{‏فاعدلوا‏}‏ بالصدق والحق ولو كان أي المقول له أو عليه ‏{‏ذا قربى‏}‏ أي ذا قرابة لكم، ‏{‏وبعهد الله أوفوا‏}‏ يعني ما عهد إلى عباده ووصاهم به وأوجبه عليهم ذلكم أي الذي ذكر في هذه الاَيات وصاكم به ‏{‏لعلكم تذكرون‏}‏‏:‏ أي لعلكم تتعظون وتتذكرون فتأخذون ما أمرتكم به وأن بالفتح على تقدير اللام والكسر استينافاً ‏{‏هذا أي الذي وصيتكم به صراطي مستقيماً‏}‏ حال ‏{‏فاتبعوه‏}‏ ولا تتبعوا السبل ‏{‏الطرق المخالفة له‏}‏ فتفرق فيه حذف إحدى التاءين أي فتميل، بكم عن سبيله أي دينه، ‏{‏ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون‏}‏ أي الطرق المختلفة والسبل المضلة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبي‏)‏ أي حدثنا والدي وهو وكيع بن الجراح ‏(‏عن ابن أبي ليلى‏)‏ هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري ‏(‏عن عطيه‏)‏ هو العوفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال طلوع الشمس من مغربها‏)‏ أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المراد بقوله بعض آيات ربك هو طلوع الشمس من مغربها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن يعلى بن عبيد‏)‏ بن أبي أمية الكوفي كنيته أبو يوسف الطنافسي ثقة إلا في حديثه عن الثوري ففيه لين من كبار التاسعة ‏(‏عن أبي حازم‏)‏ هو الأشجعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاث‏)‏ أي ثلاث آيات ‏(‏إذا خرجن‏)‏ فيه تغليب أو معناه ظهرن والمراد هذه الثلاث بأسرها ‏(‏لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل الاَية‏)‏ كذا في النسخ الحاضرة بلفظ لم ينفع وفي رواية مسلم‏:‏ لا ينفع وهو الظاهر فإنه ليس في هذه الاَية لم ينفع بل فيها لا ينفع، والاَية بتمامها مع تفسيرها هكذا‏:‏ ‏{‏هل ينظرون‏}‏ أي ما ينتظرون المكذبون ‏{‏إلا أن تأتيهم الملائكة‏}‏، أي لقبض أرواحهم، ‏{‏أو يأتي ربك‏}‏ أي أمره بمعنى عذابه ‏{‏أو يأتي بعض آيات ربك‏}‏، أي بعض علاماته الدالة على الساعة وهو طلوع الشمس من مغربها ‏{‏يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت‏}‏ من قبل الجملة صفة نفس أو نفساً لم تكن كسبت في إيمانها خيراً أي طاعة أي لا تنفعها قرابتها، قل انتظرا‏.‏ أحد هذه الأشياء، إنا منتظرون ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والدابة‏)‏ وفي رواية مسلم دابة الأرض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأحمد وابن جرير‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وقوله الحق‏)‏ جملة حالية ‏(‏إذا هم‏)‏ أي أراد كما في بعض روايات الشيخين‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ورد ما يدل على أن مطلق الهم والإرادة لا يكفي، فعند أحمد وصححه ابن حبان والحاكم من حديث خريم بن فاتك رفعه‏:‏ ومن هم بحسنة يعلم الله أنه قد أشعر بها قلبه وحرص عليها‏.‏ وقد تمسك به ابن حبان فقال بعد إيراد حديث الباب في صحيحه‏:‏ المراد بالهم هنا العزم ثم قال ويحتمل أن الله يكتب الحسنة بمجرد الهم بها وإن لم يعزم عليها زيادة في الفضل ‏(‏فاكتبوها له‏)‏ أي الذي هم بالحسنة‏.‏ وفيه دليل على أن الملك يطلع على ما في قلب الاَدمي إما باطلاع الله إياه أو بأن يخلق له علماً يدرك به ذلك‏.‏ ويؤيد الأول ما أخرجه ابن أبي الدنيا عن أبي عمران الجوني قال‏:‏ ينادي الملك اكتب لفلان كذا وكذا فيقول يا رب إنه لم يعلمه‏.‏ فيقول إنه نواه، وقيل بل يجد الملك للهم بالسيئة رائحة خبيثة وبالحسنة رائحة طيبة‏.‏ وأخرج ذلك الطبري عن أبي معشر المدني وجاء مثله عن سفيان بن عيينة قال الحافظ ورأيت في شرح مغلطاني أنه ورد مرفوعاً قال الطوفي‏:‏ إنما كتبت الحسنة بمجرد الإرادة، لأن إرادة الخير سبب إلى العمل، وإرادة الخير خير لأن إرادة الخير من عمل القلب‏.‏ واستشكل بأنه إذا كان كذلك فكيف لا تضاعف لعموم قوله ‏{‏من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها‏}‏ وأجيب بحمل الاَية على عمل الجوارح والحديث على الهم المجرد ‏(‏فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها‏)‏ وفي حديث ابن عباس عند البخاري من طريق عبد الرزاق عن جعد عن أبي رجاء العطاردي‏:‏ فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له بها عنده عشر حسنات‏.‏

قال الحافظ يؤخذ منه رفع توهم أن حسنة الإرادة تضاف إلى عشرة التضعيف فتكون الجملة إحدى عشرة على ما هو ظاهر رواية جعفر بن سليمان عند مسلم ولفظه‏:‏ فإن عملها كتبت له عشر أمثالها، وكذا في حديث أبي هريرة وفي بعض طرقه احتمال‏.‏ ورواية عبد الوراث في الباب ظاهرة فيما قلته وهو المعتمد انتهى ‏(‏فإن تركها‏)‏ زاد البخاري في رواية في التوحيد من أجلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏